Qawmi

Just another WordPress site

 

plo-flaf

جعفر الجعفري، لائحة القومي العربي

 في ذروة العدوان الثلاثي على شعبنا في غزة، وفي يوم 13 كانون 2- يناير2009 أعلن تجمع للمثقفين يضم فلسطينيين مقره مدينة بوسطن عن نية عقده “مؤتمر دولي” لبحث مدى واقعية (حل الدولتين .. في فلسطين و”إسرائيل” ) والمطالبة (!) بدولة واحدة وفق قاعدة  “مواطنة متساوية للفلسطينيين والإسرائيليين.”  ودعي عدد من محاضرين جامعيين في الولايات المتحدة وغيرها للإسهام في النقاش بأوراق بحثية تتخذ الطابع الأكاديمي، منهم عرب ويهود و”إسرائيليون.” والتأم  عقد المؤتمر طيلة يومي 29 و 30 آذار 2009 متجاهلا تطورات الصمود الاخيرة في غزة والتي اجمع عليها المحللون والمراقبون بأن “ما بعد غزة ليس كما كان قبل غزة.”

 

التقى المثقفون للبحث في “خيارات الحلول” للقضية المركزية للأمة على قاعدة التسوية ليس الا، ولم يلتقوا لبحث إعادة الاعتبار لمرجعية وطنية ، ولو مغلفة بشعارات هزيلة كـ “تطوير مؤسسات م ت ف” التي تحتضر. كلا لم يكن ذلك همهم او الخروج برؤية تعيد الاعتبار للمفاهيم والموروثات الوطنية على قاعدة دعم نضال الشعب العربي في فلسطين. كما لم تحظى غزة وبطولاتها ودمارها وتضحياتها بمجرد نية للبحث في اوضاعها. وقبل أن نبدأ في تعرية هدف المؤتمر، تجدر الإشارة إلى أن عددا لا بأس به من المساهمين بأوراق “أكاديمية” في مؤتمر بوسطن قد تمت دعوتهم للمشاركة في ندوة يرعاها  “معهد كارنيغي للسلام” بواشنطن بعد يومين من انفضاض مؤتمر بوسطن ، في 2 و 3  نيسان – ابريل الجاري ، لبحث آفاق “الدولة الواحدة.”  فهل أتى تزامن ذلك الجهد بمحض الصدفة إثر تجسيد هزيمة العدو الصهيوني على ارض فلسطين ولأول مرة، بسبب الصمود البطولي لقوى وشعب المقاومة الفلسطينية.

 

وعودة سريعة لأطروحات ما يسمى “حلول”  للقضية الفلسطينية ، تبرز ثلاث نماذج تسووية وان بدت مختلفة في بعض التفاصيل : وهي “حل الدولة الديمقراطية” العلمانية …الخ؛ وحل الدولتين وحل الدولة الواحد. وهناك بعض التلاوين الأخرى من ارضية التسوية عينها منها ما أتى به، على سبيل المثال، “رئيس جامعة القدس” سري نسيبة والذي طالب بمنح الفلسطينيين حق المواطنة “الإسرائيلية”.  فما يجمع تلك النماذج على قاعدة التسوية السياسية هو الاعتراف بشرعية الاستيطان الصهيوني لبلادنا والتخلي عن مطلب حق العودة والإقرار بالكيان الصهيوني ونبذ الكفاح المسلح ومفهوم تحرير الأرض ، والأهم الإصرار على نفي عروبة فلسطين التاريخية أرضا وشعبا وتراثا.

 

فمشروع حل الدولة الديمقراطية جذره الأساسي هو برنامج حزب راكاح (الحزب الشيوعي الإسرائيلي) القائم اصلا على الإقرار بالكيان الصهيوني على ارض فلسطين – تحت تبريرات يسارية اللغة ويمينية المضمون – إذ أن ذاك الطرح يتلاءم مع فلسفة الحزب الاجتماعية وجذوره الطبقية  لقاعدة من المستعمرين الصهاينة تضم بعض العرب! وأضحى اميل حبيبي ، بصفته السياسية كعضو كنيست عن راكاح ، دائم الحضور في ادبيات فصائل (م ت ف) في عقد السبعينات من القرن المنصرم. وينبغي الإشارة إلى أن بعض فصائل المقاومة الفلسطينية تلقفت مشروع راكاح وأعادت “إنتاجه” وتبنيه كهدف استراتيجي لرؤيتها القاصرة لحل الصراع ألتناحري، خاصة الجبهة الديمقراطية وحركة فتح، لتنضم للموكب لاحقا بقية الفصائل الأخرى، والذي ما لبث ان اصبح  برنامجا رسميا تبنته م ت ف وفصائلها إبان وعقب معارك أيلول / 1970. ولا ريب من التذكير بأن مفهوم “الدولة الفلسطينية”  كمشروع للحل تم طرحه من قبل بن غوريون اولا بعد ايام وجيزة من حرب حزيران 1967. ثم تبنى الدعوة بعده موشي دايان ، بصفته وزيرا للدفاع، الذي افصح عن رغبته بأن مراده هو اقامة سوق جديد لبضائع كيانه مما يمكن اقتصاده من النمو. كما وتلقف المشروع آنذاك بعض العناصر الفلسطينية المرتبطة بآلية السوق الخارجية اذ تبنى الفكرة مرحّبا كل من رئيس بلدية الخليل ، الشيخ محمد علي الجعبري، ورئيس بلدية نابلس، حمدي كنعان. ثم بحث المبعوث الاميركي للشرق الاوسط ابان عهد الرئيس نيكسون ، وليم سكرانتون، مسألة “الدولة الفلسطينية مع المسؤولين العرب” الذين قابلهم. وخلصت الجبهة الديمقراطية حينها بالقول في لسان حالها (الشرارة) الى ان “مشروع الدولة الفلسطينية هو من أخطر مشاريع التسوية السياسية” (العدد 1، نيسان 1969). وبعد عقد ونيف، آب 1982، لعب الامين العام للجبهة الديمقراطية نايف حواتمة دورا انهزاميا واضحا ابان حصار بيروت وخرج لينظّر للهروب من لبنان وإطلاق التصريحات المتكررة الداعية “للاعتراف المتبادل بين اسرائيل ومنظمة التحرير.”

 

ومع تعثر نهج المقاومة (الشعبية والمسلحة) بفضل قيادة مهزومة على رأس م ت ف، عادت الحرارة مجددا للحديث عن حل الدولتين – على فرضية قيام “دولة فلسطينية مستقلة” – كثمرة لجهود المركز الامبريالي بعد حرب الخليج الأولى في فرض أملاءاته التسووية. ومن ثم برز الترويج لـ “دولة ثنائية القومية”  في مرحلة اتسمت بتحول الرأسمالية العالمية الصناعية إلى رأسمالية مالية، تتخطى الحواجز والحدود الإقليمية والوطنية في مرحلة “العولمة.”

 

ويتبادر للذهن سؤال بديهي : هل هناك ثمة علاقة بين حل الدولتين / أو دولة ثنائية القومية من ناحية وبين مفهوم العولمة من ناحية أخرى، الذي روجته أميركا تحديدا على افتراض نجاحه وتقديمه كرزمة حلول عالمية “فوق وطنية وفوق قومية” للقضايا العالمية الشائكة.

 

في معالجة مفهوم العولمة، أولا، ينبغي توضيح تعريفها بما انها استراتيجية تعبر عن رؤية الشركات الاميركية لابتلاع العالم والسيطرة عليه ، وهي التي تدعو إلى إستراتيجية تفكيك عالمية تحوّل الدول القومية والوطنية إلى شكل من أشكال الدول الفاشلة (عمادها العامل الأمني بمفهوم الشرطي) تفتقد إلى السيطرة المركزية ، ويتم تحويل العالم آنئذ إلى أطر وولايات تابعة تفتقر إلى آلية القرارات السيادية. حينها يسود مفهوم علاقة المركز (الأوحد) بالمحيط العالمي لخدمة الأول كأسواق مفتوحة مجردة من ثقافتها وتراثها المحليين فضلا عن سيادتها على مواردها. أي ان العولمة هي “أمركة” السياسة العالمية لخدمة مصالح الشركات الكبرى المهيمنة على الاقتصاد الرأسمالي.  فأطروحات مثل حل الدولتين (الذي يتراجع راهنا في أذهان التسوويين) أو الدولة الواحدة ثنائية القومية (اسراطين لدى البعض، ودولة لكل مواطنيها لدى عزمي بشارة) تقفز عن بديهيات الصراع والمواجهة من حيث أن هناك شعب فلسطيني مشرّد يسعى لتحرير أرضه، لتضعه في إطار “معولم” يتجاوز الهم القومي والوطني كي يستوعب المستعمرين اليهود ككيان قائم على أرضنا. وتجدر الإشارة هنا إلى مداخلة أحد المساهمين في كل من مؤتمري بوسطن وواشنطن، نديم روحانا، الذي طالب الفلسطينيين بـ “الاعتراف بالوطنية اليهودية،” التي يفسرها المؤرخ (الإسرائيلي) توم سيغيف: “لا تستطيع أن تفهم إسرائيل إلا إذا فهمت دور المحرقة في صياغة الهوية الإسرائيلية.  وإذا كنت لا تفهم عدوك، فإنك لا تستطيع صنع السلام”. (صحيفة بوسطن غلوب 30-3-2009).

إذن، الهدف من الفذلكة الفكرية يتجاوز المفهوم التقليدي للتطبيع مع الكيان ليشمل الترويج لأساطير “المحرقة” أفقيا وعموديا – دون أفق محدد – والتسليم له بخرافات مفاهيمه على امتداد الوطن العربي والعالم الإسلامي.

ونزعم هنا أن عديد الحلول المشتقة من التسوية تأخذ إشارة تحركها من مركز القرار الامبريالي الراعي لها – صياغة وتفصيلا وتوقيتا وأبواق أكاديمية تطرحها، ومن ثم يتم تحديد المطلب الذي يليه. وللتوضيح، طرح احد معاهد الفكر الأميركية الاساسية ، معهد كارنيغي، رؤيه مفصلة للخروج من تعثر المفاوضات التي لم تفض الى أي شيء ملموس. وقام في 25-5-2008 بشرح وجهة النظر هذه في دراسة لأحد “كبار باحثي” المؤسسة، ناثان جي براون ، يقرّ فيه بفشل حل الدولتين لصالح طرح رؤية “متقدمة عصرية”. ويقول براون ” … على الذين يدعمون حل اقامة الدولتين أن يدركوا مدى الانهيار الذي أصاب الإطار الذي كان يقوم عليه هذا الحل،” (التشديد مضاف) ويبشر بالانتقال إلى تبني الدولة الواحدة كـ”أحد الخيارات.” ويوضح براون ” إذ مع تراجع احتمالات تحقيق حل الدولتين، بدأت فكرة الدولة الواحدة المزدوجة القومية تحظى بمزيد من الاهتمام. كثيرا ما كان الاهتمام بمثل هذه الدولة هامشيا بفعل اثر الحركات القومية الصهيونية والفلسطينية الرافضة لمثل ذلك الطرح، ففي الأعوام الأخيرة، تلقف العديد من المفكرين الفلسطينيين هذه الفكرة، لكن التوجه الإسرائيلي العام لا يزال يعتبرها بمثابة الخطر الذي قد يستهدف جوهر المشروع الصهيوني.” (التشديد من عندنا). بل ويذهب براون إلى ازداء النصح للإدارة الأميركية (المقبلة) منها:  (“السعي الى وقف واقعي لإطلاق النار بين إسرائيل و«حماس» / الاهتمام بإصلاح حركة «فتح».) ((الالوان في الاصل وليست من عندنا)). وخلص براون محذرا  ” إذا لم تعالج إدارة الرئيس بوش، وهي في نهاية ولايتها، الأوضاع الأساسية التي تقوّض حل الدولتين، فان الإدارة التي ستخلفها سوف تكون مجبرة على البحث عن بديل. والبدائل الوحيدة الممكن أن تتوافر ستكون أسوأ بكثير بالنسبة لجميع الأطراف  المعنية.” 

كان هذا السرد ضروريا لتبيان مدى التواشج الوثيق وتناغم الايقاع في تحركات النخب المثقفة – العربية والفلسطينية – مع سياسات المركز الامبريالي دون وجل ، الامر الذي لا يحتاج الى عناء كبير لمعرفة لماذا يتم القفز عن مرحلة غزة ومستحقاتها ولصالح من. بل ليس هناك من الاطراف من يدعي البراءة، فكل مشارك حسم أمره بوعي واصطف بصلافة الى جانب الخيار الاميركي المعادي لطموحات شعبنا في الوقت الذي كان من المنتظر ان يصطفوا الى جانب شعبهم ونضاله . وما كان يردعهم في السنوات السابقة هو توفر الحد الادنى من مرجعية ذات صبغة وطنية (ولا نقول مرجعية وطنية بالكامل). هذا ما افرزته مواجهة غزة وما بعدها.

وحول تشبث الداعين لمؤتمر بوسطن بـ”حل الدولة الواحدة” كخيار بدل التحرير والعودة ، نستعرض هنا ما جاء على لسان د. نصير عاروري (راعي المؤتمر) في حلقة متلفزة على برنامج (الكتاب خير جليس) بثته قناة الجزيرة بتاريخ 10-6-2003 من لندن، لمناقشة كتابه الصادر بعنوان “الوسيط الخادع.. دور الولايات المتحدة في إسرائيل وفلسطين.” اذ يؤكد في الفصلين الاخيرين من الكتاب، وبعد انتقاده لمسار اوسلو وللراعي الاميركي، بأن “الحل بعيد المدى هو دولة واحدة، دولة إسرائيل فلسطين،” معللا رؤيته بـ ” ربما مهندسي كامب ديفيد قد مهدوا الطريق إلى دولة واحدة، ما كان هدفهم إنهم يخلقوا دولة واحدة أو يمهدوا لدولة واحدة، لكن ربما إنهم عن غير قصد.” (التشديد مضاف).

ويشاطره الرأي في ذات الحلقة د. جوزيف مسعد بعد اعترافه بأن المنادين بحل الدولة الواحدة “لا يتعدوا (بضعة) أكاديميين … ، لكنهم مُهمَّشين تماماً عن.. عن الخارطة السياسية.”   ويقول مسعد : “في اعتقادي حل الدولتين هو حل طوباوي أيضاً، يعني أثبت أن حل.. حل الدولتين الذي تتفق عليه على الأقل رسمياً الولايات المتحدة وحتى إسرائيل في الوقت الحالي والقيادة الفلسطينية القائمة لم ينجح وقد فشل.. فشلاً ذريعاً، أما حل الدولة ثنائية القومية طبعاً هو الحل الذي يُطيح بالمبدأ (والماركة) حجر.. حجر أساس المعضلة، ألا وهو عنصرية إسرائيل…  وبالتالي إزالة هذه العنصرية والامتيازات العنصرية ليهود إسرائيل في اعتقادي هو طبعاً طريق شاق وصعب وطويل، ولكن هو الحل الوحيد والعادل كما يقول البروفيسور عاروري. (التشديد مضاف).

إذن، نحن امام قلب فكري إرادي للحقائق والثوابت التي يدركها اي عربي بالفطرة بأن مأساة فلسطين هي بسبب الهجمة الاستيطانية لليهود المستعمرين وطرد الشعب العربي منها ، وليس كما يتوهم البعض ، بل أن “عنصرية اسرائيل” هي نتيجة واحدى افرازات الاستعمار لقاعدة تنمو وتترعرع على الاغتصاب والاحتلال. أنه وعي عربي وأممي جماعي للحق المغتصب بامتياز.  والمحاولة (المقابلة والمؤتمر) لا تعدو كونها فذلكة سياسية لطمس حقيقة الصراع وتبرير جنح شرائح النخبة نحو التسوية والقبول بالكيان والتطبيع مع شرائحه.

وادناه قائمة بابرز المشاركين من “المثقفين” المطبعين في مؤتمر بوسطن، وكما نشر على الموقع الالكتروني الخاص بالمؤتمر:

د. نصير عاروري، د. هاني فارس، د. ميرون بنفنستي، د. سري مقدسي، كرمة النابلسي، علي ابو نعمة، اورن بن دور، فيليس بينيس، د. مهدي عبد الهادي، سوسن اكرام، د. سلمان ابو ستة، نديم روحانا، د. حسام زملط، د. جورج بشارات، نورتن مزفينسكي، د. سيف دعنا، د. أسعد غانم، ناديا حجاب، مناضل حرزاللة، د. نجيب صليبا، د. ليلى فرسخ، عمر برغوثي، ايلان بابيه، وآخرين.

تعتبر المجتمعات الانسانية ان مثقفيها هم عماد التغيير، ولم يتوانى مثقفو فلسطين والعرب عن تصدر مهامهم والانخراط في النضال من أجل التحرير؛ وصحيح كذلك ان المثقفين يمثلون “البطن الرخو” في كافة المجتمعات لسرعة تأثراتهم الفكرية والسياسية ايضا، والتنظير لتثبيت الأمر الواقع بدل العمل على استشرافة وتغييره للافضل. وفي الحالة الفلسطينية الراهنة، كان دور النخب الفكرية في “تكريس قيادة قاصرة لتنتصر على شعبها بالهزائم”  حماية لمصالحها الذاتية ومصالح العدو الصهيوني، ان لم نرد استخدام تعبير جوليان بندا الذي اطلق عليهم وصف “خيانة المثقفين.”

الا ان المعركة الاخيرة في غزة اعادت بعض النخب والمثقفين الى رشدهم لصالح شعبهم وأمتهم، والتي جسد صمودها الاسطوري بديهية بأن اقرب خط بين نقطتين هو الخط المستقيم الذي يرى فلسطين وعروبتها وتحريرها مرجعية وحيدة، بعيدا عن الاوهام التي يبثها عزمي بشارة وغيره من تعدد المرجعيات للمشروع الوطني من داخل وعاء التسوية. وأن من يحمي ثقافة الصمود وإرادة التضحية في سبيل البرنامج الوطني الحقيقي هي القوى الواقفة على نقيض برنامج التسوية وادواته من المنظّرين، في سعيها واصرارها على إعادة إنتاج مقاومة فلسطينية تبنى على قاعدة رؤية جذرية لطبيعة الصراع الدائر على أرض فلسطين وعلى امتداد المنطقة . فمعركة غزة مليئة بالدلالات لمن لديه بصيرة

 

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *