Qawmi

Just another WordPress site

resistenza202020aprile202004

د. إبراهيم علوش

 لم يكثر اللغط يوماً حول الهوية السياسية والتنظيمية لأي حركة مقاومة في التاريخ العالمي المعاصر كما كثر حول هوية المقاومة العراقية وفصائلها وبرنامجها السياسي وقياداتها.  وبالرغم من كل ما قيل وكتب حول هذه المسألة، البالغة الأهمية لأصدقاء المقاومة العراقية وأعدائها على حدٍ سواء، ما زلنا لا نجد إجابةً شافيةً تقطع الشك باليقين حول الجهات القائمة على المقاومة وحقيقة توجهاتها.  فأنصار القاعدة يزعمون أنهم هم المقاومة في العراق، والمقاومة هم، وكذلك يفعل أنصار التيارات الإسلامية المحلية العراقية على اختلاف توجهاتهم… وأخيراً وليس أخراً، كذلك يفعل البعثيون وقيادات الجيش العراقي السابق…

 ولم يقلل من هذا اللغط تشكيل جبهات عريضة تضم عدداً من فصائل المقاومة مثل جبهة الجهاد والتغيير (بقيادة كتائب ثورة العشرين قبل انشقاقها)، أو جبهة الجهاد والإصلاح (بقيادة الجيش الإسلامي الذي يفترض أنه أكبر فصائل المقاومة)، أو القيادة العليا للجهاد والتحرير (بقيادة عزت الدوري)، أو الجبهات التي تضم الفصائل السلفية القريبة من نهج القاعدة كتلك التي كانت منضوية في مجلس شورى المجاهدين.  

 أمامك على المسرح العراقي عشرات الفصائل، ومئات الأذرع العسكرية التابعة لها، وترى بعض الأسماء تلمع أمامك كالنجوم، كجيش محمد مثلاً الذي لمع اسمه في بداية الاحتلال، لتنطفئ وتختفي لتحل محلها مسميات أخرى لا تلبث أن تنطفئ بدورها قبل أن تحل محلها مسميات جديدة.  وفي الأشهر الماضية فقط عرفنا بانشقاق كتائب ثورة العشرين لتحل محلها مسميات جديدة مثل كتائب الفتح الإسلامي وغيرها…

 فلو تحدثت مثلاً مع سبعة من الأخوة العراقيين المؤيدين للمقاومة، لوجدت سبعة آراء متناقضة حول هذا الموضوع، ولوجدت كلٌ منهم على استعدادٍ لخوض معركة كبرى دفاعاً عن وجهة نظره فيها… 

 كذلك الأمر بالنسبة لأنصار المقاومة العراقية العرب، خاصة بين المسييسين، فإنجازات المقاومة العراقية بما تمثله من روعة وإبداع وشجاعة وعظمة وجاذبية لا تقاوم لكل مواطن عربي شريف تبقى عرضة للتوظيف لمصلحة هذا الطرف السياسي أو ذاك ما برحت هوية فصائل المقاومة العراقية غير واضحة، وما زلت ترى كثرةً من المتسلقين الصغار يحاولون عبثاً امتطاء ظهر المقاومة العراقية الجامح. 

 وبالرغم من أن الفصائل الفلسطينية مثلاً حطمت الرقم القياسي في التكاثر والانشقاق، لا يجادل  أحدٌ أبداً بدور كتائب القسام في المقاومة أو ألوية الناصر صلاح الدين أو كتائب أبو علي مصطفى أو سرايا القدس وهويتها السياسية، وإن كانت تحوم أسئلة حول ولاءات الأجنحة المختلفة لكتائب شهداء الأقصى.  وكذلك الأمر، لا يجادل أحدٌ بدور حزب الله بالمقاومة اللبنانية، كما لم يجادل أحد بدور جبهة التحرير الوطني الجزائري في المقاومة الجزائرية.  ولكن ليس هناك أي قدر من هذا الوضوح فيما يتعلق بهوية فصائل المقاومة العراقية.

 

ولأن هذه القضية قضية خلافية، أي خلافية لأنصار المقاومة، فإن مصلحة العراق والأمة كانت تقتضي أن نهمشها للتركيز على وحدة فصائل المقاومة في مواجهة الاحتلال وأدواته ومشروع تفكيك العراق.  فالأساس هو تحرير العراق وإسقاط المشاريع السياسية للاحتلال وأذنابه، ومنع تفريس العراق وجنوبه، ودعم المقاومة العراقية بفصائلها الإسلامية والوطنية بغض النظر.

 حتى وقت قريب كان يسود توجهٌ بين أنصار المقاومة العراقية، إلى أن اشتعلت الاشتباكات الضارية وبدأت التصفيات الجسدية  بين فصائل المقاومة نفسها على خلفية إعلان “دولة العراق الإسلامية”، أن المقاومة العراقية آلت على نفسها أن تتجنب أمراض الاستعراض وترميز الشخصيات التي ابتليت بها فصائل منظمة التحرير الفلسطينية، وأنها تمارس بالتالي نوعاً من “الفوضى الخلاقة” الخاصة بها من أجل حماية قياداتها وكوادرها وبناها من التصفية والاختراق، وأن المقاومة تعمل بشكل منظم ومنهجي وعالي الكفاءة، وأنها غير معنية بتجيير انتصاراتها وإنجازاتها لمصلحة هذه الجهة أو تلك.  وكان ذلك يضيف إلى بريق المقاومة العراقية ووهجها، ويرفع منزلتها أكثر في أعين محبيها.

وبقي هذا التحليل كافياً لكبح الفضول.  فقد كان يكفينا أن تكون المقاومة العراقية أسرع مقاومة معاصرة انطلاقاً في ظل احتلال، وأن تكون أشرس وأنجح مقاومة معاصرة، وأن تكون قد قلبت ميزان القوى العالمي على رأس الإمبريالية الأمريكية، وأن تكون قد شلت مشروع “الشرق أوسطية” في المشرق العربي مما أجبره على التقهقر إلى دارفور. 

 لكن مع بروز مجالس الصحوة في المناطق السنية، ومع محاولة أنصار القاعدة فرض الولاء بالقوة على فصائل المقاومة الأخرى، ومع تصاعد الحس الطائفي في عموم العراق، لم يعد هذا الموقف كافياً.  فالمشكلة هنا تتعلق بالبرنامج السياسي للمقاومة الذي لم يتمكن أولاً من كسب أوسع جماهير الشيعة في جنوب العراق إلى جانبه بسبب تأثير إيران والأئمة، والذي لم يتمكن ثانياً من لملمة صفوف المقاومين على أساس وطني عراقي يقوم على برنامج صرف للتحرير: برنامج كفاح مسلح حتى طرد المحتل وأعوانه وإسقاط كل برامجه وسياساته.  فعندما يكون هناك احتلال، يصبح التحرر الوطني هو الأساس، وليس إقامة إمارة طالبانية أو فرض تفسير محدد للشريعة الإسلامية على فصائل مقاومة بعضها إسلامي التوجه أصلاً!! 

 التحرير إذن يحتاج إلى برنامج وطني لا طائفي، يهتدي العمل المسلح بهداه.   وبدون مثل هذا البرنامج، فإن أعداء المقاومة سيتمكنون من إقناع بعض جماهير جنوب العراق بأن المقاومة مجرد مشروع طائفي يستهدفهم، ومن إقناع بعض جماهير وسط العراق بأن فصائل المقاومة مجرد مشروع طالباني يستهدفهم. 

فالأمر الذي لا شك فيه هو أن استمرار وانتصار المقاومة بات يحتاج إلى برنامج وطني بغض النظر عن الهوية العقائدية والتنظيمية للمقاومين أنفسهم.

 وبعد ذلك يمكن القول: 1) أن المقاومة العراقية ما كانت لتنطلق وتتصاعد بمثل هذه السرعة والقوة لولا الإعداد والتخطيط الكبيرين الذين بذلتهما القيادة العراقية وعلى رأسها الشهيد صدام حسين،  2) أن عناصر الجيش والحرس الجمهوري والأجهزة الأمنية العراقية منتشرون في كل فصائل المقاومة على اختلافها، بغض النظر إن كان بينهم رابط تنظيمي أم لا، وهذه قضية أمنية تخص المقاومة العراقية يفترض أن لا نخوض فيها أصلاً، 3) أن انهيار الدولة العراقية ومؤسساتها، بقدر ما جر الوبال على العراق، لا بد أنه سمح أيضاً بنشوء مبادرات محلية للمقاومة، أو مبادرات تعبر عن اتجاهات عقائدية مختلفة، ضمن وخارج الخط الإسلامي أو الوطني… ومرة أخرى لا يعنينا إن كانت تلك إستراتيجية محسوبة من قيادة مركزية للمقاومة لتجييش كل فئات الشعب على اختلافها في العمل العسكري، المهم بارك الله بكل المقاومين وشد أزرهم وكفى، 4) لا يجوز أن ننخرط بلعبة المحو والشطب والإقصاء تجاه أي فصيل أو توجه مقاوم، ومقابر الشهداء مليئة بالإسلاميين على اختلافهم وبالبعثيين وبالعسكريين وبكل أشكال المقاومين العراقيين والعرب، ولنترك تحديد نسب الشهداء من كل فصيل إلى ما بعد التحرير، ما رأيكم؟  

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *