Qawmi

Just another WordPress site




العدد رقم 2 صدر في 1 تموز عام 2014 للميلاد


لقراءة المجلة عن طريق فايل الـ PDF


طلقة تنوير2




















في الإبحار عبر الدوامات الرمادية

 

تُفتقَدُ البصيرة، أكثر ما تُفتقد، بعد الانزلاق من على هاويةٍ لم نرها، وذلك أن للبصيرةِ ثلاثَ ثمراتٍ سكرية: أن يحيطَ المرءُ بتضاريسِ المشهد من حوله حين لا تحيطُ به العين، أن يرى عاقبة خطوته فيما يخطو نحوه قبل أن يخطوها، وأن يسمع رغم الزحام ما يهمس به الزمان في أذنه بلا كلام.   فإن افتقد المرء كل هذا، كان كمن يبحر بلا بوصلة في الأنواء فيتوكأ على أفعى مقنعة تارةً ويستدرجه الإعلام الأصفر طوراً فلا يصل لبر الأمان إلا بالصدفة.

لكن البصيرةَ قلبٌ قبل أن تكون عقلاً، فهي قلبٌ يعقِل لا جهازُ حاسوب، بل هي بوصلة القلب بالذات، ومن هنا جاءت الآية الكريمة في سورة الحج: أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا ۖ فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ… والعبرة هنا في القلوب التي تعقِل، أو تَعمَى، وما الحديث طبعاً إلا عن البصيرة، ولا معنى أخر للقلوب التي تعمَى حين لا تعمى الأبصارُ إلا هذا، وربط البصيرةِ بالقلوب التي في الصدور يعني أنها حدسٌ وإحساسٌ لا جدولٌ للضرب.  ومن هنا الحديث الشريف: استفتِ قلبك… فهو لا يعني الميلان مع النزقِ أو التقلب أو الانفعال كما يظن البعض، بل يعني التنقيب في البصيرة عما يمكن أن تنتجه من حدسٍ وبوصلة عندما تختلط أوراق المشهد من أمامنا.

وإذ تتلاطم أمواج المشهد العربي وتكفهر الغيوم السوداء من فوقه وتلقى بظلالٍ شاحبةٍ على تضاريسه، تضيع معالم الأشياء ولا يعود الفرق بين الصديق والعدو واضحاً فتتشابك الاتجاهات فوق صفحةِ مشهدٍ أجوف يمتد إلى ما بعدِ الأفقِ القاحلِ أكثرَ من “ربيعٍ عربيٍ” ينثال حرائقَ ورماداً وزوابعَ ودواماتٍ…  هناك نتمسك أكثر ببوصلة القلب: مصلحةِ الأمة، حين تبدو كلُ الأوراق رمادية، في العراق ومصر بخاصة، فمن السهولة بمكان أن يميز المرء بين الأبيض والأسود تحت الشمس الواضحة، أما الرماديُ… ففي الرياح السيئة يعتمد القلب، وكل رمضان وأنتم بخير.

كيف يُتخذ الموقف القومي الجذري؟

إبراهيم علوش

ليست السطور التالية مبحثاً في تحليل شأنٍ أو مسألة راهنة، إنما في المنهج، أي في كيفية حياكة مثل ذلك التحليل ليعبر بأمانةٍ عن تناقضات الواقع الموضوعي من جهة وليساعد في تحديد موقفٍ قوميٍ جذريٍ منه من جهة أخرى، وهو ميزانٌ ليس من السهل الحفاظ عليه، لأن الاكتفاءَ بفهم الواقع فحسب يؤدي لانتهازية الانقياد للقوى المهيمنة، ولو كانت معادية لمصلحة الأمة، وبالتالي للتخلي عن مشروع التغيير، أما الاكتفاءُ بتحديدِ موقفٍ مبدئيٍ عامٍ بعيداً عن فسيفساء الواقع الراهن وتناقضاته وتطوراتها فيشبه التلوين بفرشاة عريضة على وجه الموناليزا…

قد يقدم المحلل السياسي الكثير من التفاصيل المهمة في وصف الواقع السياسي، وقد يقدم المناضل العقائدي  موقفاً مبدئياً لا يشق له غبار، لكن مشروع التغيير الجذري يحتاج لتحليلٍ موضوعيٍ يساعد على إنارة الطريق، وبالتالي على توجيه دفة المشروع نحو الهدف بأقل الخسائر وأعلى العوائد مقابل التضحيات عبر طوبوغرافيا كل مرحلة، وبذلك يسهمَ تحليل المشهد في توجيه السياسات، وبالتالي المواقف.

ينطلق كل تحليل سياسي في النهاية من وجهة نظر جهة ما قد تكون دولةً أو شريحة اقتصادية-اجتماعية أو حزباً أو كتلةً في حزبٍ أو تيار، وبهذا المعنى، ليست هناك وجهة نظر “فردية” في التحليل السياسي، والقصة لا تقتصر على اعتبارنا المقاومة في فلسطين واجباً وحقاً مثلاً واعتبارها إرهاباً من قبل العدو الصهيوني… فاعتباره إياها إرهاباً يدفعه للتفكير بطرق لتفكيكها، ومن ذلك تشجيع النزعات التسووية في الساحة الفلسطينية والعربية، فلا نستطيع أن نفصل نظرتنا لمثل تلك النزعات بتوجسٍ، ونظرته هو لها بترحيبٍ، عن تقييمنا لمجراها، كلٌ من وجهة نظره، فكل تحليل لكل خطوة من خطواتها هنا يملي موقفاً، ويقود لخطة عمل محتملة.

تتجلى بذلك إحدى صور اتحاد الذات والموضوع، فالعبرة ليست في فصلهما، بل في إيجاد الميزان الصحيح لاتحادهما في كلِ لحظة.  فلا بد من منطلقٍ إذن، قبل كل شيء، والمنطلق القومي الجذري هو مصلحة الأمة.  لكن تشخيص مصلحة الأمة في كل لحظة سياسية، أو في كل مرحلة، لا يكون دوماً تحصيل حاصل، مع أنه كثيراً ما يكون كذلك.  يمكننا القول مثلاً أن مصلحة الأمة تكمن في تحقيق الوحدة والتحرير والنهضة، وبالتالي أن كل ما يعيق تحقيقها، أو كل ما يعزز نقيضها، أي يعزز التجزئة والتبعية والتخلف، هو ضد مصلحة الأمة.

إلى هنا نحن نرسم بالفرشاة العريضة، وهذا ربما يكون كافياً في الكثير من الأحيان، في حالات التدخل الأجنبي مثلاً، كما في حالة التدخل الأجنبي في العراق أو ليبيا أو سورية، أو الاحتلال، كما في فلسطين أو الجولان، أو في حالة مشاريع الانفصال والتفكيك، كما تفكيك اليمن أو السودان مثلاً، أو عند تحديد الموقف من الانظمة التابعة للإمبريالية أو المطبعين مع العدو الصهيوني، أو، على الجانب الإيجابي، في تحديد موقف من مشاريع النهوض والوحدة الكبرى، من محمد علي باشا إلى جمال عبد الناصر إلى صدام حسين، إلخ… والحديث فقط للقوميين الجذريين.

لكن التاريخ لا يقدم لنا دوماً مشاهد سهلة التشخيص، لنقول هذا جبلٌ وذلك بحرٌ وتلك صحراء مثلاً، بل يغرقنا بالكثير من المتشابهات والمعالم التي رسمها بفرشاة دقيقة، إلى درجة تصعب رؤيتها أحياناً إلا بالمجهر، مثلاً: الصراعات الأهلية، التناقضات ضمن أو ما بين القوى والشخصيات الوطنية والقومية، العلاقات مع الجيران التاريخيين، إلخ… هنا لا يعود التلوين بفرشاةٍ عريضة نافعاً، وكثيراً ما يقود للغرق في بحورٍ من الدم والمآسي والصراعات الصغيرة.  والأدهى أن قرار الغرق في مثل تلك الصراعات لا يعتمد علينا وحدنا، لأن الصراع هو بالتعريف نتاج التفاعل بين طرفين أو أكثر.  وهي صراعات تجري في داخلنا، فلا يمكن أن نقول أننا لا شأن لنا بها.

من السهل أن نقول مثلاً أن الأراضي العربية لا يحتلها الكيان الصهيوني فحسب، وأن الدول المجاورة تغولت علينا، وأن إيران وتركيا والحبشة وإسبانيا كلها تحتل أراضٍ عربية.  وهذه حقيقة تاريخية راهنة بالطبع.  لكن إذا انطلقنا من تلك المقدمة الصحيحة للقول أن لا فرق بين محتلٍ ومحتل، وأن علينا – كي نأخذ مثالاً بعيداً عن الحساسيات المنفلتة من عقالها اليوم – للتأكيد أن لا مشكلة بالتعاون مع الكيان الصهيوني ضد الحبشة مثلاً، فإن ذلك يوقعنا في الشطط بلا أدنى شك.

لكن لماذا هو شطط؟  إنه شطط لا لأن الخلل في المبدأ (رفض كل احتلال للأراضي العربية)، بل في التشخيص، تشخيص تناقضات الواقع الراهن من حيث درجة خطورتها بالنسبة للأمة وبالتالي من حيث أولوية التصدي لها.

لا بد إذن من وضع سلمٍ للتناقضات.  ففي كل مشهد ثمة تناقض مركزي يمثل الإمساك به إمساكاً بالحلقة المركزية لذلك المشهد السياسي.  مثلاً، ما هو التناقض الرئيسي الذي يحكم عالمنا المعاصر اليوم؟  إنه التناقض ما بين نزعة الإمبريالية المعولمة للهيمنة، ونزعة الحركات والدول المستقلة لبناء مشروعها الخاص.  هذا يعني أننا قد نضع قائمة من الملاحظات والانتقادات على أي دولة من دول البريكس (روسيا، الصين، الهند، البرازيل، وجنوب أفريقيا)، لكن ذلك لا يمثل الحلقة المركزية التي يمكن من خلالها أن نفهم المشهد العالمي، وأن نحدد موقعنا فيه.  الأهم هو حقيقة تشكيل قوة مقابلة للإمبريالية عالمياً.  لماذا يهمنا مثل ذلك؟  لأنه يعطي الأمة العربية وكل أصحاب المشاريع المستقلة في العالم حيزاً للحفاظ على استقلالهم ولتحقيق وحدتهم أو نهضتهم.  فلو كان العالم أحادي القطبية واقعاً تحت الهيمنة الأمريكية مثلاً لكان مشروع التحرر والوحدة والنهضة أبعد منالاً بكثير.  إذن وجود البريكس وتعزيزها يتوافق مع مصلحة الأمة…

لكن هل يعني ذلك أن دول البريكس ثلة من الملائكة المطهمين، أو أن من حقهم أن يتجاوزوا على حقوق الأمة وسيادتها أو أن علاقتنا معهم ستخلو من أي تعارض أو تناقض؟  الجواب على تلك الأسئلة السابقة هو أنهم ليسوا ملائكة، وليس من حقهم التجاوز على حقوقنا وسيادتنا، وأن علاقتنا معهم لن تخلو من الصراعات والتناقضات… لكن العبرة في إبقاء مثل تلك التناقضات تحت السيطرة، ومنعها من التفاقم إلى حدٍ يؤذي الطرفين ويفيد الإمبريالية، وهذا ليس دوماً أمراً سهلاً، لكن السماح بتحويل تناقض ثانوي إلى تناقض رئيسي يشبه من يطلق النار على قدميه.

ثمة سلمٌ للتناقضات إذن يبدأ أولاً بالتناقض الرئيسي، الحلقة المركزية التي تلخص كل السطح السياسي، وما عدا ذلك إما أنه تناقض يرتبط بالتناقض الرئيسي أو يمثل أحد وجوهه أو أنه تناقض ثانوي يجب أن يُهمش لمصلحة التناقض الرئيسي أو أنه حشو.

فما هو التناقض الرئيسي الذي يحكم واقعنا العربي اليوم؟  إنه التناقض مع الإمبريالية والصهيونية وأذنابهما، والبقية عندكم.

ويفرض أي تناقض، بالتعريف، اصطفافاً على جانبيه، مع أو ضد، فلا بد من تحديد الموقع الصحيح في مثل ذلك الاصطفاف، فإما مع الإمبريالية والصهيونية أو ضدهما.

مرةً أخرى، لا يقدم الواقع نفسه لنا بشكل جامد مقدد، وبالتالي يمثل الحكم السابق وحده تلويناً بفرشاةٍ عريضة، لأن الواقعَ غنيٌ متجددٌ متفجرٌ دوماً، والتناقض الرئيسي نفسه لا يتجلى بصورة واحدة كل الوقت إلا نادراً، كما في حالة التناقض التناحري مع العدو الصهيوني مثلاً منذ قرنٍ ونيف.   علينا بالتالي أن نقرأ الواقع من جديد في كل لحظة ومرحلة سياسية لتبين أشكال تجلي التناقض الرئيسي، ولتحديد مكان الاصطفاف الصحيح مع تغير معالم أو تضاريس المشهد السياسي.  ففي لحظةٍ سابقة كان ميشال عون والتيار الوطني الحر في لبنان مثلاً مصطفين مع الولايات المتحدة ضد المقاومة وسورية، مما اقتضى التعامل معهما كحليف للإمبريالية والصهيونية موضوعياً، بغض النظر عن الخطاب أو النوايا أو أي شيء من هذا القبيل، ومع تغير المشهد ليصبح ميشال عون والتيار الوطني الحر جزءاً من تحالف معسكر المقاومة في لبنان لا يعود من الجائز “نكش” الثارات القديمة وجعلها أساس الموقف، بل مصلحة الأمة كما يتجلى التناقض الرئيسي في هذه اللحظة السياسية.  هنا نكون قد حافظنا على ثابت الاصطفاف ضد الطرف الأمريكي-الصهيوني، بما يمثله ذلك من مصلحة للأمة حتى تتحرر وتتوحد وتنهض، مع أخذ متغيرات المشهد المرحلية بعين الاعتبار.

لنأخذ مثالاً أخر: عندما اندفعت الولايات المتحدة لاحتلال أفغانستان بعيد “الحرب على الإرهاب” عام 2001، ومن ثم لاحتلال العراق وتدميره عام 2003، تقاطعت إيران مع ذلك المشروع، فاقتربت هي من معسكر أعداء أمتنا وقتها، لأنها قدرت أن ذلك هو ما يخدم مصلحتها في تلك اللحظة التاريخية.  لكن المشهد عاد للتغير مع بدء الصراع بين الولايات المتحدة وبريطانيا من جهة، وإيران من جهة أخرى، على العراق، وبدأت العمليات العسكرية ضد الاحتلال من طرف جهات عراقية متحالفة مع إيران.  إلى هنا كان يمكن أن نقول ربما أن لا فرق بين هذا وذاك.  لكن مع بدء معركة سورية، وصعود دول البريكس، وتحول إيران إلى ظهير لا غنى عنه لسورية والمقاومة اللبنانية، ومع اعتمادها كحليف إقليمي للبريكس في الإقليم، مع معركة سورية تحديداً، التي اصبحت بؤرة التناقض الرئيسي في المنطقة، تغير المشهد السياسي بالضرورة، واصبحت إيران حليفاً موضوعياً، واقتربت تركيا، في خضم معركة سورية، من الطرف الأمريكي-الصهيوني أكثر وأكثر فانسحب عليها تلقائياً ما يجري عليه حتى تبتعد.

العبرة إذن في تحديد تجليات التناقض الرئيسي في كل لحظة أو مرحلة، ومن ثم تحديد الاصطفاف الصحيح بناءً على مصلحة الأمة، على ضوء ذلك التناقض الرئيسي في البيئة المتغيرة دوماً وأبداً.   لكن هل يعني ذلك أن نوافق على كل سياسة أو موقف يصدره الحليف؟  بالتأكيد لا!  هل يعني ذلك أن نصطدم مع الحليف على كل صغيرة وكبيرة نتعارض معه فيها؟  طبعاً لا!  هل يعني ذلك أن نستبدل مشروعنا بمشروع الحليف؟  لا وألف لا!   هل يعني ذلك أن على الحليف أن يتبنى مشروعنا القومي الجذري بالكامل لكي نرضى به حليفاً؟  طبعاً لا…

خطر التسمية وخطر فقدان القدرة عليها

نور شبيطة

لعلّ أهمّ المفاصل في التاريخ البشري تتعلق كلّها باللغة، فثورة المعلوماتية هي أكبر نقلة حدثت للإنسان بعد ثورة الطباعة، التي لم يسبقها في حجمها نقلة مثل اختراع الأبجدية، وقبل ذلك كانت النقلة الأولى، وهي الأهم من جهة اعتماد سائر النقلات عليها، اكتساب البشر القدرة على التسمية ليتحول لإنسان عاقل، حتى النقلات الأخرى التي قد يعدّني البعض قد تجاهلتها نرى أنها معتمدة بشكل أو بآخر على هذا السياق.

قالوا يقاس تطوّر مجتمع ما بقدرته على الاتصال، ومع أنني أوافق إلا أنني أزيد بأن أقول أن اللغة تتعدى كونها وعاء فكر الفرد، حيث يفكر بمفرداتها، إلى كونها عقل الجماعة.   فهي من حيث طريقة عملها في الجماعة، تحاكي طريقة عمل العقل في الفرد، وهي التمثيل الحقيقي لرقيّ المجتمع أو انحطاطه.  وإنه ليعتورها من الأمراض والفصام ونحوها، ما يعتور العقل المفرد من الأمراض العقلية، ولكن ادعاءً كهذا يحتاج للتمثيل والمقابلة مما لا مجال للتوسع فيه هنا، لذلك لنتجاوز هذا إلى مبحثنا في هذه المقالة، وهو خطر التسمية، والخطر في العربية هو رفعة الشأن والمكانة، فما سأحاول التركيز عليه هو الدور الذي يتحتم علينا التصدي له من جهة التسمية في خدمة المشروع القومي العربي.

سموّ فعل التسمية في الثقافة العربية، واضح جدا في التراث، الذي اعتقد أن التسمية هي هبة الله للإنسان، قال تعالى: (وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين) ٣١ البقرة، وهي من جهة أخرى حجة الخالق على خلقه، الذين ادعوا أن الإنسان لا يصلح للاستخلاف في الأرض، فكانت هذه الآية هي جواب الله عليهم، ومن جهة ثالثة ترد آية أخرى بعدها بقليل، فيها يسجد الخلق لآدم أي يسخّر له وبسبب ماذا؟ بسبب قدرته على التسمية التي وهبها الله له، فالتسمية هي حجة الاستخلاف، وسبب التسخير، وميزة الإنسان الأعلى على سائر الخلق، وكيف لا وهي التي تجعل العقل عقلاً!  وهي التي تقف خلف مفهوم الإرادة الإنسانية التي يختبرها الله في الحياة الدنيا.

قد يعترض قائل فيقول أن مصداق مفهومِ التسمية الذي نُعنى به هنا هو ذاته اللغة، واكتساب القدرة على التسمية هو ذاته المقصود بنشأة اللغة! فلماذا الإصرار على مفهوم آخر ومفهوم اللغة يغطي المراد؟ والجواب أن التطابق بين مصداقي المفهومين المختلفين في الأصل هو حادث متأخر، والتسمية هي أصل اللغة، أما عن هذا التطابق فاللغة باتت الآن فقط تحل محل التسمية، ولكنها قد تسلب الإنسان والأقوام القدرة على التسمية، فالإنسان يجنح للمفهوم المتداول، ويساوم على الدقة متحريا عدم الإغراب، بل وأنها قد تفسد العقل بدل أن تبنيه، أو بالأحرى تبني عقلا مختلا، واختلال اللغة من بعد اتزان يتسبب باختلال عقول الناس، والمصطلح المخترق يخترق صفوف الجماعة وقد يقودهم نحو حروب أهلية ويذهب ريحهم فيفشلون.

لننظر إلى كل هذه التقنية في حقل الاتصال بوسائطها المتعددة، أليست كلها معتمدة في النهاية على اللغة، وبالتالي على التسمية؟! بل إن قدرة المجتمع على الاتصال (أي مقياس الرقيّ كما أسلفنا) منوطة بالدرجة الأولى، بالقدرة على التسمية (اتصال مع الواقع المحسوس) وإشاعة الأسماء والاصطلاح عليها (اتصال مع الجماعة)، أي أن العلاقة بين اللغة من جهة وسائر الوسائط المعتمدة عليها والمتأثرة بها من جهة أخرى، كالعلاقة بين القدرة على التسمية من جهة وبين اللغة من الجهة الأخرى، على الترتيب، فالتسمية هي القمة النامية لنبات اللغة، وهي لا بدّ وأن تكون مصاحبة للقمّة النامية للمجتمع ألا وهي الطليعة الثورية، وأظن هذا كافيا لبيان خطر التسمية أي رفعة شأنها فماذا عن خطر التسمية بكونه ضررا محتملا نحاذره؟

إن امتلاك الوسيط الأجنبي الغربي (من فيلم وأغنية وكتاب…) قدرةً أكبر على الاتصال مع أفراد مجتمعنا العربي، يعني ارتهاننا لتسمياتهم، والتي قد لا توافق مصداقا عربيا بالضرورة، والاسم الذي لا مسمى (مصداق) له، خطير ومخيف إذ هو منبع الوهم، فالعقل يبحث عن معنى ويجده، فإذا سبقت الأسماء على المسميات زمنا، فإن العقل يعاني من صعوبة التفكير بها، وينتج معانيَ لها حسب السياق الذي ترد فيه، فلا يتمكن العقل من فحص صدق جملة المعاني التي تشكل سياق المصطلح، وهكذا شاع وهم أن الديموقراطية هي بوابة السعادة والرفاه والسلام والقوة، وغيرها من الأغاليط الكثيرة التي لا مجال للتوسع في ذكرها، وهكذا تتشكل قمة نامية خبيثة مرهونة للعدوّ تعبده وتحاكيه كأنها نبات دوّار الشمس، لكنها تتبع الظلام، فيتحول المجتمع لمسخ مع مرور السنين.

اختلال العلاقة بين الاسم والمسمى والمعنى، أي بين اللفظ الذي نطلقه على شيء أو مفهوم، وبين الشيء أو المفهوم ذاته، وبين معناه في عقولنا وقلوبنا، هو تحطيم أو تشويه للثالوث اللغوي، مما يسبب ميوعة العقل الجمعي، وكي أُحسنَ قبض المعنى لابدّ أن أذكر أنني أتحدث هنا عن اللغة بوصفها وسيطا للاتصال بين الجماعة كلهم بجاهلهم وعالمهم بعامتهم وخاصتهم، فعلى الذراع الفكرية لحركة التحرر القومي العربي أن تتبنى حلا جذريّا لهذه المشكلة التي نواجه أعراضها متفرقة بين الحين والآخر، فلا يكفي أن يكون المفكر ملمّا بالمعاني الدقيقة للمصطلحات الوافدة من المحتلّ الغربي الشمالي، بل عليه أيضا أن يعيَ أن مخاطبته للجماهير القومية لابدّ وأن تكون وقفا على الأسماء العربية، ولا حرج عليه أن يجترح اسما عربيا إذا لم يجده، وعليه بيانه للناس إما من خلال اللجوء للتعريفات، أو الركون للسياقات الواضحة، فورود الاسم أو المصطلح في سياق موجود على الخاطر العام، مفهوم لدى العامة سيولّد له معناه الذي يستحقه، ثم ينطلق بعد ذلك في بسط المعاني التي تستغل هذه اللبنة الجديدة في بناء الفكر العربي، هكذا وهكذا فقط نعيد اصطفاف اللغة إلى جانبنا، ومعها كل الوسائط المعتمدة عليها، ونقلب الطاولة على وسائل الإعلام المعادية الناطقة بالعربية التي لا تساهم إلا في تشويه وإرباك الوعي العربي، والتشويش عليه.

الماورائيات في أيديولوجيا الكتاب

محمد لافي “الجبريني”

هنالك كتّابٌ لا يمكن لك أن تمسك بمؤلفاتهم دون أن تلوح مواقفهم ونظرياتهم في مخيلتك، خلاف الآخرين الذين لن تنبئك مؤلفاتهم عن شخصيتهم، لكنها ستترك لك فضاء مجهولا محببا في سبر كنه إبداعهم وقياسه من الصفر، وستحتاج إلى أكثر من قراءة لذات الكاتب حتى تنقي شخصيته –إن كنت مهتما- من بين التفاتاته اللغوية وإسقاطاته الفنية. ألا يقولون أن كل كاتب يكتب نفسه بطريقة أو بأخرى!

هذه الأفكار غالبا ما ستكرس لاعتبار الموقف من مؤلفاتهم مضللا لأنه لم يكن محكوما بالتعامل المتجرد مع الكتاب، سيكون هذا حجة للمرهفين أصحاب مقولة الفن للفن، حيث التلذذ المسطح بصور قصيدة وبخطوط لوحة ودقة آلة موسيقية، دون عناء فلسفة أو سبر غور أي من تلك الأعماق، منتشية بارتعاشات الناي في موزارت، غير عابئة بما ان كانت تعني نشيدا سريا لمنظمة الصليب الوردي أم هي محض مرثية مسيحية، وكما يبدو أن الفهم الخاطئ للقضية في قصيدة جعل ملايين الأفواه ترددها “بين ريتا وعيوني بندقية” دون أن يخامرها وخز الشك بقصيدة “الغزل الثوري” هذه قبل أن تنجلي عن رغبة في اسقاط البندقية بين عشيرتي العاشقة والمعشوقة اليهودية ريتا.  وربما لولا كتب صارخة الشهرة مثل “شيفرة دافنشي” لما تعاملنا مع الموناليزا إلا باعتبارها صاحبة الابتسامة الجميلة الساحرة الغامضة، إلى ما هنالك من مفردات التنميط الثقافي وانسجاما مع لغة الفن للفن التي تكرسها أكاديميا نقدية إلزامية!

على خط موازٍ لدينا اولئك الأتباع من الصنف الذي تلوح انطباعيته “الفنية” كجملة من الألواح المسمارية، يعتبرون الفن بدعا شريرة من المحرم التعامل معها بخصوصية فنية، بل بأحكام قاطعة إيديولوجيا وأيضا إلزاميا، من السهل أن يصدر بحق أصحابها أحكام بالتصفية الجسدية، تشهد لهم أجساد نجيب محفوظ وعمر الخيام وفرج فودة وفيكتور غارا وكارلوس فوينتوس وغاليليو وكوبرنيكوس وابن رشد وما لا تكاد تحتضنه دفاف الكتب من المحكومين بمرض تصلب البؤبؤ أو ضمور الجبهة.

ما علينا إلا أن نفسر لقب أبو الطيب بكونه تعبير عن ادعاء النبوة؛ لنقدم وجبة جديدة من التكفير بحق المتنبي، ويحتاج تقليدي أن يصف تامر زكريا بالشاذ جنسيا لترمى كل كتبه في محارق دور الرقابة استحضارا لمحرقة ابن رشد بفتوى الدولة الإسلامية أو مكتبة الاسكندرية بقرار الدولة المسيحية.

لكن أيضا دعنا لا نبدو كمن يقدم المبدعين كضحايا أزليين للتخلف، فإن منح الله في فطرة كل إنسان مهما بدا للبعض متخلفا، جانب النقد والشك والفضول البحثي، فإنه لم يعدم النخب والنجوم من ميزة التخلف والعداء مع الإبداع المتجرد اذا اصطدم بما يخيف، أو راوده الشك حيال شطر فلسفي من عمره، سيقمعه بنفس الطريقة التي يمكن أن نتخيلها من شرطي تجاه كاتب خالف السلطان.  لن نصفهم بالخيانة الأدبية، إلا إذا كنا نعتقد أن المبدع هو انسان نيتشة الخارق في جسده وعقله! ليس ابتداء من حسان بن ثابت شاعر النبي الذي كان يلغي قصيدة حين يلوح امتعاض من وجه النبي، ولا بإبن خلدون الذي كان مستعدا للشطب والإضافة مقابل حظوة عند  سلطان ورسم الجغرافيا التفصيلية عن بلاده لعدو مغتصب مقابل النجاة بحياته، ولا غاليليو الذي نفى منطقه مقابل صك غفران، ولا هرمان هسه الذي اشترى الرضا مقابل عدم الاعتراف بأعمال في فترة ما تسمى بالنازية، وليس انتهاء بأبو حيان التوحيدي الذي قدم كل كتبه قربانا ناريا لشكوك شبابه وكهولته التي تركته مكتئبا في التسعين، أو سارتر الخائف على ريادته الوجودية من أقلام أكاديمية وغوغائيات صحفية تحيله بعد سطوع النجم إلى رمادٍ منفوخ في الريح الغربية، كما حصل مع مواطنه روبرت فوريسون، فباع الحق في قضية فلسطين بالاستحقاق اليهودي العالمي! أو ربما درويش الذي تمثل مقولة “يحق للشاعر ما لا يحق لغيره” لكن ليس لغويا كما عنى النص بل معنويا وجذريا في تفسير ما يجب ان تكون عليه فلسطين وما يريد ان يكونه هو..

من جانب آخر لا يكاد ينكر أحد حجم المسؤولية التي يلقيها موقف الكاتب أو تلبيسه موقفا حين تجب إدانته أو تكريمه، فهو إن كان يهوديا ستعتبر مآسيه الملحمية نتاج عذابته مع النازية كما كان الحال مع كافكا، وإن كان شيوعيا سابقا فستعتبر مؤلفاته الإسلامية دليل اعتراف بأخطاء الماضي كما جرى مع غارودي، وإن لم يفهم أحد شيئا مما كتبه فسيقاس ذلك بطبيعته الابداعية غير القابلة لتأويل عقول البسطاء شأن ما نقابله مع فوكنر، وان اكتشفنا أن مذهبه كان شيعيا فسنعتبر مؤرخاته أكاذيب رافضية شأن المسعودي!

*

على أساس يتباين –وقد يتفق- مع ما سبق يحتاج المرء أن يصقل في وعيه ذلك الحس النقدي السليم في قياس الأفكار الشائعة ومحاولة سبر التورية في النصوص التي يبرع فيها عدد من الكتاب، العالمين بأسرار صنعتهم والمتمكنين من أدواتها لجذب الدهشة ببراعة الفن وتدوير الفكرة المتشرنقة فيها قبل ان تتفتح في لاوعي المتلقي، فليس صحيحا أن الهجوم المباشر كان قادرا في يوم من الأيام على تحطيم فكرة ضمن منطق الندية المتساوية أو الأقل تفوقا، فحري بهذا النوع من الهجوم أن يزيد صلابة الفكرة، بل ويجلب لها أنصارا أكثر راديكالية وأبعد عنادا وأشد بأسا، أما في حالات الضعف الشامل وكثرة الأكلة على الجمل الذبيح – كحال فكرة الوحدة القومية التي تنتمي لها الأمة في هذه الأثناء وضعف القدرة على المواجهة الجماعية – أن يصقل الفرد منهجه العلمي في النقد، وهذه هي الطريقة التي سيبذل الخصم جهدا لتكسيرها وعدم نموها، فالحس النقدي السليم سيكون عدوا للإعلانات التجارية والبروبغاندا الاعلامية وبالتالي سببا في ضعف الهيمنة على العقل الانساني.

من وحي الفكر السياسي العربي 2

 

جميل ناجي

 

نعود مجدداً لنقطة انتهينا عندها سابقاً، وهي مسألة القوالب النظرية المستوردة ونخص هنا الماركسية كنظرية ثورية ارتبطت بعصر رسملة المجتمع الأوروبي، وانتقلت فيما ما بعد إلى دول أقل حداثية كروسيا والصين وغيرها. وقد شكلت الماركسية هنا هاجساً حقيقياً لدى المشتغلين بالحقل السياسي العربي منذ مطلع القرن المنصرم، كأيديولوجيا ثورية وفكر تحرري مناهض للمنظومة الرأسمالية وإفرزاتها، حتى يكاد لا يخلو كتاب من الأدبيات القومية إلا وتعامل مع شوارد هذه الفلسفة، سواء على صعيد النقد أو تبني بعض أو كل أطروحاتها في جوانب أو مستوياتٍ مختلفة.

وإذا نظرنا هنا لأهمية النظرية وبنائها في الصراع القومي، يجب أن لا نغفل التأثير الايديولوجي لتلك النظرية أو بعض أبعادها سواء عند المثقفين أو السياسيين العرب، المرتبط أصلاً بطبيعة البنى الثقافية المفوتة في المجتمع العربي وسيطرة الفكر التقليدي.   وهذه ليست إشارة للماركسيين العرب فقط بل القوميين أيضاً، وهي مسألة ناقشها ياسين الحافظ باستفاضة في كتابه ( في المسألة القومية الديمقراطية) ولا مجال للخوض فيها الان.  لكن يبقى أن نشير هنا الى أن النظرية، أي نظرية تحتوي على مضمون ايدولوجي ما، تكون ضروريةً فقط إذا كان مضمونها صحيحاً وملائماً في ساحة المواجهة.

الالتفات هنا ضمن هذا السياق يجب ان يكون للطرح غير التقليدي في فسيفساء الأدبيات، والتي قد تبدأ عند عبدالله العروي بالتحديد ومن ثم العملاق ياسين الحافظ مرضرض الماركسية عربياً وواضع أسسها.   ولا بد من الإشارة هنا أن إعادة نبش أعمال هذين المفكرين قد يكون محفوفاً بالمخاطر لأسباب عدة قد يكون أهمها اختلاف الظروف بين اليوم والأمس رغم وحدتها، وعمق المفاهيم هناك وضحالتها هنا. لكن يبقى أن نشير لأهمية الطرح الفكري هنا ضمن قاموس أدبيات الفكر القومي.

في ما يخص الماركسية نقدم على سبيل المثال ما طرحه عبدالله العروي حول ضرورة تبني الماركسية عربياً، كرد على التخلف وضرورة التثوير الثقافي.  وقد اعتبر العروي الماركسية أساساً ايدولوجياً تحديثياً وهو ما يجعلها وصفاً وتأويلاً ليبرالي ثوري، وهي منهج تحليلي وبالتالي اداة للنقد السياسي والاجتماعي، وأخيراً مدرسة للفكر التاريخي. ونحن هنا نتطرق الى الأبعاد والدوافع النظرية للجوء للماركسية، ولم نتطرق الى الجوانب المتعلقة  بالممارسة والتطبيق ومعوقاتها على سبيل المثال.   وهي مسألة بحاجة الى نقاش مطول بحكم استفحال المشكلة، مشكلة التخلف والثقافة المفوتة هنا، خاصة مع انتشار الفكر السلفي اليوم وامتلاكه لأراضي (محررة) يقيم فيها شرائعه المثقلة بالدم.  ويبقى أن نقول أن هناك جوانب مهمة في الماركسية يجب إعادة النظر فيها إذا كنا نطمح الى بناء قاعدة حداثية ما.

في الجانب النقدي، فان المشكلة الرئيسية في الماركسية كما تجلت عند السياسين العرب، هي غياب موضوع الهوية والانتماء للأمة والواقع القومي، على الرغم من وجود اداة منهجية ما متفوقة نسبيا.  وهو ما جعل بعض متبني الماركسية العربية فيما بعد حاضنة حقيقية لمشاريع التفكيك ذات النهج الليبرالي الممولة أجنبياً في الغالب، ولمشاريع التطبيع مع العدو الصهيوني. وإذا نظرنا مثلاً إلى التجارب الثورية العالمية التي حملت الفكر الماركسي، فإن السؤال الأول الذي قد يخطر في الاذهان هو كيف استطاع منظرو تلك الأمم تطويع الماركسية بحيث تتماشى مع مصالح أممهم..؟

الحديث هنا هو عن روسيا والصين وغيرها من التجارب التي استطاعت ان تترك بصمة حقيقية في التاريخ تحت شعارات ومبادئ هذا الفكر.  فاللينينية مثلاً كانت عبارة عن الرد الماركسي على عقبات ومشاكل الواقع الروسي، والماوية حول مشاكل وتحديات الواقع الصيني.   وهو ما يجسد الفهم الحقيقي لمعنى تبني هذه  الايدولوجيا بشكلها الجدلي الملتحم مع الواقع المتغير دائماً، وفي نفس الوقت يظهر مدى تأخر الماركسيين العرب وضحالة فهمهم للأبعاد الحقيقية وراء الاستخدام والاستثمار الايديولوجي للماركسية.

ضمن هذا السياق هناك البعد القومي للصراع دائماً، بمعنى أن التنظير حول الصراع الطبقي يجب أن يحتل المقعد الخلفي اليوم لصالح الصراع القومي من أجل الوحدة والتحرير والنهضة، خاصةً بعد أن دلل التاريخ على أن الأمة ككل هدف لمشاريع الهيمنة والتفكيك، والنهش الحاصل للدول العربية بالأخص المركزية منها، وهنا إشارة إلى البعد “الجغرافي السياسي” للصراع، غير الموجود عملياً ضمن أدبيات التحليل الماركسي الكلاسيكي، وهي نقطة ضعف مركزية تعيقه عن فهم التاريخ والواقع المعاصر.  ومن هنا لا بد من التأكيد على مسألة مهمة طرحت في العديد من الكتابات تتمحور حول أن حركة التاريخ لم تتوقف على الصراع الطبقي فقط، بل ثمة لاعب رئيسي يتمثل في صراع الأمم والقوميات على السيطرة من خلال قوانين الجغرافيا السياسية.

في نقطة أخيرة حول الماركسية ذكرها العروي وأكد عليها العديد من الذين خاضوا في هذا المضمار وهي التعامل مع الماركسية كأداة تحديثٍ للمنظومة الفكرية والثقافية السائدة في المجتمع، وبالتالي الممارسة، مرحلةً أولية في صيرورة النضال لتجاوز الايديولوجيات ما قبل الرأسمالية، والقدرة على تمثل منجزات العلم الحديث، والتحول الى ما هو أبعد وأعمق في تجسيد هذا الوعي في شتى جوانب الحياة كالاقتصادي والاجتماعي وغيره ( انظر مثلاً التحول في التجربة الروسية والصينية).  على أي حال نحاول هنا أن نطرح مجدداً أرضية ما للحوار حول بعض المفاصل التي كانت مركز اهتمام وبحث بين القوميين العرب في العقود الماضية.

  

مصطلح سياسي

 

الديماغوجية:  حكم الغوغاء في الأصل الإغريقي، كحالة انحطاط وفوضى ولاعقلانية تتقمص ظاهرياً شكل حراك شعبي، وهي غالباً ما تأخذ شكل عنف عشوائي في الشارع ضد جهة أو رمز ما.  وفي اللغة العربية الغوغاء صوتٌ وجَلَبة، وفي قاموس المعاني هو الجرادُ حين يخف للطيران.

تمثل الديماغوجيا، أو الغوغائية، في السياسة خطاباً دعائياً يقوم على إثارة عواطف الخوف وتحريك غريزة القطيع وتفخيخ الأفكار المسبقة والتلاعب بالجهلة والانحدار بالخطاب السياسي للقاسم العدواني الأدنى لتجييش الفاقدين للوعي والتنظيم والقيادة في الشارع ضمن أجندة لا يدركون أبعادها، هي في أغلب الأحوال السعي للوصول للسلطة أو تدمير قوة مستقرة بحراك “شعبي”.

في علم السياسة الغربي يتم الحديث عن الـdemagogue، أي مثير العامة الديماغوجي، وهو الفرد الذي يحرك تلك الحالة، الذي ينجر الجهلة خلفه كقطيع، أكثر مما يتحدث عن الديماغوجية أو الـdemagoguery  كنهج، أو عن الديماغوجيا كخطاب.

ومع أن الغربيين يقدمون الزعيم الألماني أدولف هتلر كأبرز ديماغوجي في التاريخ العالمي المعاصر، فإننا يمكن بسهولة أن نصف بعض أئمة الجوامع ورجال الدين القائمين على التحريض الطائفي والفتنة الأهلية واستدعاء التدخل الأجنبي، أو بعض رموز الثورات الملونة و”الربيعية” المنادية بـ”الحرية” و”الديموقراطية” بوحي وتمويل الغرب، كديماغوجيين معاصرين حقيقيّن.  وللقارئ الكريم أن يختار الأسماء التي تتبادر إلى ذهنه قبل غيرها على هذا الصعيد.

 

 

جول يوسف جمال

ولد جوول جمال في 1 نيسان في مدينة اللاذقية السورية لأسرة مسيحية وكان والده طبيباً بيطرياً.. وكان له أخان دعد وعادل.

شارك يوسف جمال والد جول جمال في المقاومة ضد الاحتلال الفرنسي في سورية.

درس جول جمال في كلية الأداب في الجامعة السورية وفي عام 1953 أُرسل جول جمال ضمن عشر طلاب والتحق بالبعثة العسكرية للإلتحاق في الكلية البحرية إلى مصر، وهو ما كان حلماً له لأن يصبح ضابطاً في سلاح البحرية السورية.  وفي عام 1956 نال جول جمال شهادة البكالوريوس في الدراسات البحرية  في مصر وكان الأول على دفعته، و هكذا أصبح ملازماً أول في البحرية.

بعد تأميم قناة السويس عام 1956 لم يرحل جول جمال عائداً لسورية بل بقي وبقية بعثته في مصر العروبة لأن مصر إستوردت زوارق طوربيد حديثة ورأت الحكومة السورية ضرورة تدريب ضباطها على كيفية استخدامها.

في ليلة الرابع من تشرين الثاني عام 1956، في منتصف الليل، التقط جول جمال ورفاقه بثاً فرنسياً للسفينة الحربية جان بارت العملاقة.   وكانت مهمة تلك البارجة تدمير ما بقي من مدينة بور سعيد بعد تأميم قناة السويس و حرب الـ56.   عندما لاحظ جول جمال أن السفينة تقترب من السواحل المصرية تطوع لقيادة عملية بحرية مدافعآ ببسالة وورافعآ راية بلاده عاليآ مدافعآ عن قطعة من وطنه العربي بكل شجاعة.  على الفور بلّغ جول قائده جلال الدسوقى واقترح عليه ان يذهب في دورية إلى تلك المنطقة المحددة التي ستكون فيها السفينة، وعلى عكس اللوائح التي تمنع خروج أي اجنبى (أي غير مصري الجنسية) في دورية بحرية،  اعطاه الدسوقى تصريحاً للخروج بعد اصرار جول ان في وقت المعركة لا فرق بين مصري أو سورى وان مصر كسورية لا فرق بينهما.

وهكذا بعد أن ضحى الشاب السوري بأغلى ما يملك من أجل حماية بور سعيد من السفينة  والمؤامرة الفرنسية على مصر العروبة أصبح أسمه من أهم دروس التاريخ والوحدة والقومية العربية .

مواصفات السفينة الفرنسية:

طولها: 247.9 م

وزنها: 48750 طناً

طاقمها: 88 ضابطاً و 2055 جندياً و 109 مدفعاً

المدافع كانت موجهة لمصر العروبة فتصدت لها صدور الأبطال من الوطن العربي.

لقد ضرب لنا الشهيد جول جمال مثلا رائعا عن قيمة الاستشهاد والتضحية الفردية التي لا تنفصل عن معنى الانتماء الجمعي للوطن والأمة، وعن أهمية الكادر والعنصر البشري في معركة الأمة مع خصومها وأعدائها.  لقد نجح الشهيد جول ان يكون سبقا وقائدا فذا ومثلا نضاليا رائعا لجيله وللأجيال اللاحقة.

لقد كان الشهيد أيقونة صلبة في الشجاعة ونكران الذات وضرب لنا مثلا عاليا في اجتراح المعجزات عبر ذهابه بالمعركة مع العدو إلى نهاياتها المنطقية، النصر أو الشهادة، يدفعه لكل ذلك ايمانه العميق والمتجذر في واجبه في الدفاع عن وحدة أمته وكرامتها.

 لم يكن جول يدرك معنى انه مواطنا سورياً على أرض مصرية، أو ضابطا “أجنبيا” ملتزما بضوابط لا تسمح له بالتدخل في ارض المعركة، بل استشعر وشعر أنه مصريٌ أيضا، وقبل ذلك عربي الروح والهوى والدم.  لم يطق ان يبقى صامتا متفرجا، فهبّ للدفاع عن كرامة أرضه ووطنه وأبناء جلدته.

لعل هذا كان درسا عمليا أيضا عن معنى الوحدة العربية،  كغيره من دروس الزمن الجميل الذي عاشه العرب ابان الوحده المصرية-السورية، زمن: من دمشق هنا القاهرة… الذي انعكس في وجدان الشهيد جول وغيره من العرب، فالوحدة لا تمثل حلما او مشروعا سياسيا فحسب ولا مجرد هدف مثالي، بل هي مصير وهوية جامعة لا بد ان تحدث مهما طال الزمان، فلا عزة أو كرامة لعربي بدونها.  وما كانت لتحقق الوحدة السورية المصرية لولا الانحياز الجمعي الاصيل لها في قلب وعقل ووجدان كل عربي أصيل.

إن الوحدة العربية ما زالت وستبقى مشروعاً راهناً بالنسبة للعرب لأنها تمثل الحل والمخرج الوحيد لأمتنا العربية من حالة التخلف والذل والتبعية والضعف.  بالتالي، إما الوحدة، وإما الموت.

إن فشل تجربة الوحدة لا يعني موت فكرتها، وتكرار المحاولة هو السر في تحقيق الغاية ونيل المراد، ولكن ليس على طريقة التمني، بقدر ما يستلزم ذلك وجود مشروع عربي حقيقي ومتبلور يستطيع ان يحمل مسؤولية الدفاع عن الامة وقيادتها لبر الأمان.

إن وحدة الأمة من الثوابت التي لا تناقش، وهذا يجعل من الوحدة أولوية خالصة ومشروع لا يؤجل، خاصة في ظل ما تتعرض له امتنا العربية في ظل تكالب قوى الهيمنة الخارجية عليها الذي لم ينتهي منذ سايكس بيكو ومؤامرة الانقلاب على الوحدة المصرية السورية بالتعاون مع اطراف عربية عميلة للغرب ومتكسبة من حالة التشرذم والانقسام، وفي هذا درسٌ واضحٌ للحكم الجديد في مصر خاصة بعد اعادة انتخاب الرئيس بشار الأسد في سورية، انه لا بد من الانفتاح على سورية وتفويت الفرصة على اعداء الامة في تحييد مصر عن ان تلعب دورا يناسب حجمها وأهميتها، عبر قيامها بلم شمل العرب وتوحيد صفهم، بدءا من سورية. ، لأن المعركة الرئيسية للأمة اليوم هي معركة سورية. والمعركة الرئيسية للأمة اليوم هي معركة سوريةوالمعركة الرئيسية للأمة اليوم هي معركة سوري>

 

الفيلم الطاجيكي ” لونا بابا ” نقد للواقع المُعاش في مرحلة انفلات الحياة     من عقالها

     فنتازيا مُبكية مُضحكة، وتمرين في الواقعية السحرية

معاوية موسى

كما يرى البعض، فإن الأصل في السينما أن تعبر عن البيئة التي تصدر عنها، فتعكس لنا الأفلام ثقافات وصورة حياة الشعوب والمجتمعات التي تعبر عنها، وبالطبع فإنه يجب أن يكون الفيلم متقنا حتى ينجح في ذلك .

فالبحث عن المعنى ليست مشكلة الفنان المبدع، بل وظيفة الناقد والمشاهد، وهو لا ينبغي أن يكون الهدف الوحيد للمشاهد، فالمتعة قد تتحقق من مجرد المشاهدة، من التطلع إلى تلك القدرة التعبيرية الهائلة من خلال الصور وتعاقب اللقطات والألوان والموسيقى والبناء التشكيلي… متعة للعين وللأذن معاً.

هذا هو حال الفيلم الطاجيكي ” لونا بابا ” وهو احد الأفلام الممتعة التي يود المرء أن يشاهدها المرة تلو الأخرى، ويحس أن ثمة سحرا ما في هذا الفيلم وجاذبية لا تقاوم.

الفيلم الذي تجري أحداثة في طاجكستان المعاصرة وتعكس بطريقة غرائبية فوضى التحولات التي أصابت البلاد فقلبت كل شيىء رأسا على عقب، وهو من أخراج “بختيار كود جانازا روف” وإنتاج مشترك روسي-ألماني-فرنسي-سويسري، وقد شارك فيه ممثلون من جنسيات مختلفة، وإذا كان السبب في إنتاج الفيلم مشتركا بين عدة دول غربية تأخر صناعة السينما والإنتاج السينمائي في طاجكستان، إلا انه يعتبر فيلما طاجيكيا نسبة إلى مخرجه.

أصل الحكاية التي يستند إليها الفيلم تتمحور حول فتاة شابة اسمها “ملكات”، الممثلة “شولبان خاماتوفا” ذات السبعة عشر ربيعا، وهي فتاة جميلة ومفعمة بالحيوية، فقدت والدتها مبكرا وتعيش في قرية صغيرة في آسيا الوسطى مع والدها وشقيقها “ناصر الدين”، الممثل “موريتز بيبترو” المتخلف عقليا نتيجة إصابته في الحرب.

“ملكات” التي تعشق المسرح، وتحلم بأن تصبح ممثلة، تسمع أن هناك عرضا مسرحيا في بلدة مجاورة تعرض فيها فرقة تمثيل جوالة مسرحية لشكسبير، فتقرر الذهاب لمشاهدة العرض، وفي الطريق أثناء صعودها بإحدى سيارات الأجرة القديمة تتعطل السيارة وما بين إصلاحها وإعادة المسير تصل متأخرة فلا تجد أمامها إلا مكان العرض المقام في الهواء الطلق خاليا وسط عتمة الليل.

في طريق عودتها ليلا وحيدة، وفيما هي تسير بين الأشجار الكثيفة تقع “ملكات” على الأرض ويتم إغوائها واستدراجها عبر صوت غريب، وفي مشهد أشبه بالحلم من قبل ممثل في فرقة مسرحية متجولة يعرف نفسه إليها على انه صديق للممثل الأمريكي” توم كروز” الذي يفخر بأنه صافحه ذات مرة.

عندما تنهض “ملكات” تكتشف أنها تعرضت للاغتصاب من قبل مجهول لا تعرف منه إلا صوته.

اللافت في هذا المشهد انه لا يتضمن صورا من الاغتصاب المباشر والجنس المبتذل، على نحوٍ  يمكن معه أن نعتبر هذا المشهد الغامض، على سوء ما يمثله، من أفضل مشاهد الاغتصاب التي قدمتها السينما حيث لا يرى المشاهدون الفاعل ولا فعل الاغتصاب بل يحدسون به عبر الصوت الغامض ويتضح لهم فقط عندما تنهض “ملكات” عن الأرض وتسوي ثوبها.

تظهر علامات الحمل على “ملكات” لتبدأ رحلة معاناة وألم تشهد فيها بداية الشر والظلم وتجسيد لصورة من أدرك عمق الهزيمة، وتصبح محط أنظار الجميع وعرضة للاستفزاز والتهكم من قبل أهالي القرية الذين يعيشون في جو اجتماعي مغلق.

نتيجة المضايقات الكثيرة التي تتعرض لها، ليس اقلها وصفها بأنها عاهرة، تقرر “ملكات” إجراء عملية إجهاض للجنين فتذهب إلى احد الأطباء الذي يخرج من العيادة للحظات ليفاجأ بهجوم من قبل مسلحين مجهولين فيردونه قتيلا قبل أن ينسحبوا، في مشهد يقترب كثيرا من طريقة أفلام المخرج الايطالي ” سيرجي ليوني” صاحب الأسلوب الخاص به في نوع أفلام رعاة البقر ومنها فيلمه الشهير ( من أجل حفنه من الدولارات).

برفقة والدها المزاجي وشقيقها الأجدب تسافر “ملكات” في رحله صعبة وبائسة بهدف العثور على من أغواها، فيجوبون معا سائر أرجاء البلاد عبر مجموعة من المغامرات الطريفة والغرائبية والمضحكة فيشهدون معا حروبا ومشاجرات ومطاردات ليس أقلها على الإطلاق سقوط جسم غريب من طائرة أشبه بالثور فوق حفل زفاف “ملكات” من شاب تعتقد هي أنه والد جنينها مما يتسبب في موته وموت والدها معا، في أحد أكثر المشاهد المضحكة والصاخبة في الفيلم، لينتهي الفيلم في مشهد مؤثر وأكثر عمقا لملكات إذ تطير في السماء وهي تجلس فوق السطح الذي انفصل عن جسم المنزل الذي يغادر مكانه حاملاً إياها كبساط علاء الدين السحري، وتظهر بعد ذلك على الشاشة كلمة ” ميلاد سعيد” في إشارة إلى أن الحياة ليست ما نرى، إذ أن جمال الحياة يكمن في اللامنطق من خلال محاولة هروب “ملكات” من الواقع السيئ والمجتمع المتخلف الذي لا يرحم أحدا، لتنسج حياة أخرى هانئة تضع فيها مولودها بهدوء.

“لونا بابا” فيلما لا يتكون من “منطق” درامي تقليدي يمتلك التبرير والتفسير والشرح، بل هناك منطق آخر خاص به، ينبع من داخل المادة المصورة، من بين تلك المشاهد واللقطات التي قد تصل إلى أقصى درجات السريالية في التعبير.  وخلال ذلك، ينتقل في الزمن كما يشاء، من الماضي إلى المستقبل، أو من الحاضر إلى الماضي، ومن الواقع إلى الخيال، ومن الهواجس إلى الأحلام، ومن الداخل إلى الخارج.. وهكذا.

الفيلم الناطق بالروسية والمترجم إلى العربية يشكل عبر مخرجه تمرينا في الواقعية السحرية من خلال القدرة على النفاذ إلى عمق الواقع والذهاب بعيدا في قاع المجتمع ليرصد عبر جولات طريقة حياة “ملكات” وعائلتها في مجتمع قاس ومنغلق _ مجتمع تتصادم فيه التقاليد مع الحداثة الطارئة مسببة فوضى عارمة، فالبلدة التي تجري فيها أحداث الفيلم هي مفترضه وغير حقيقية، إذ تم بناؤها خصيصا للفيلم لكي تناسب غرائبية أحداثه وأجوائه، وقد تم هدمها بعد انتهاء التصوير ، كما أن مشاهد الحرب المختلفة التي تتغلغل في بنية الفيلم لا تشير إطلاقا إلى حرب محددة.

يمتاز الفيلم بتقنية عالية وإخراج متميز، كما يغلب عليه طابع التجربة الإنسانية العميقة في ضوء نقد صارخ لمجتمع متخلف تداهمه أحداث العالم المتطورة بسرعة، يظهر من خلال الجهد الواضح المبثوث في ثنايا الفيلم، وهو ما يشهد على كفاءة مخرجة ” بختيار كود جانازا روف”.

بقي أن نشير إلى أن الفيلم مدته ساعتين وقد أشهِر في العام 1999 ، ورشح ونال عدة جوائز عالمية منها جائزة أفضل إخراج من مهرجان بيرغن الدولي، وجائزة مهرجان طوكيو لأفضل انجاز فني، وجائزة الاتحاد الدولي لنقاد السينما من مهرجان بروكسل، والجائزة الذهبية من مهرجان نانت للقارات الثلاث، إضافة إلى جوائز التمثيل لبطلة الفيلم.

كتاب جديد: من فكرنا القومي الجذري/ نحو حركة شعبية عربية منظمة

صدر عن لائحة القومي العربي، بالتعاون مع دار ورد، كتابٌ جديدٌ من سلسلة أدبياتها يحمل عنوان: من فكرنا القومي الجذري، نحو حركة شعبية عربية منظمة.

الكتاب الذي يقع في 96 صفحة من القطع المتوسط من تأليف د. إبراهيم علوش وتقديم عبد الناصر بدروشي ومساهمة وتدقيق عدد من أعضاء لائحة القومي العربي الآخرين.

وكما كتب اللائحي نور شبيطة في التعريف بالكتاب: يحاول الكتاب تقديم إجابة أكثر اختصاراً من كتب سبقته على الأسئلة الأولى التي تقود لفهم النهج القومي الجذري الذي تتبناه لائحة القومي العربي، ابتداء من معاني كلمات (القومي العربي الجذري) إلى الثوابت القومية العربية، إلى كيف يتولد الموقف السياسي عند القوميين الجذريين، وغيرها من الاسئلة، وصولاً إلى ماهية المشروع القومي الجذري.

للمشاركة على الفيسبوك:

https://www.facebook.com/photo.php?fbid=885810968102806&set=a.306925965991312.96654.100000217333066&type=1

لمِصرَ أم لرُبُوعِ الشَّأمِ تَنْتَسِبُ (1908)

 

حافظ إبراهيم*

 

لمصرَ أم لربوعِ الشام تنتسب                                       هنا العُلا وهناك المجد والحَسبُ

ركنان للشرق لا زالت ربوعهما                                    قلب الهلال عليهما خافقٌ يجِبُ(1)

خدران للضاد لم تُهتك ستُورهما                                   ولا تحول عن مغناهما الأدبُ

أم اللغات غداة الفخر أمهما                                         وإن سألتَ عن الآباء فالعربُ

أيرغبانِ عن الحُسنى وبينهما                                      في رائعات المعالي ذلك النسبُ

ولا يمُتّان بالقربي وبينهما                                          تلك القرابةُ لم يُقطع لها سببُ

إذا ألمَّت بوادي النيل نازلةٌ                                         باتتْ لها راسياتُ الشامِ تضطربُ

وإن دعا في ثرى الأهرام ذو ألمٍ                                  أجابهُ في ذرا لبنان مُنتحِبُ

لو أخلص النيلُ والأردنُ ودُّهما                                   تصافحت منهما الأمواهُ(2) والعشبُ

بالواديين تمَشَّى الفخرُ مِشيتهُ                                    يَحُفُّ ناحيتيهِ الجودُ والدأبُ

فسال هذا سخاءً دونهُ ديمٌ(3)                                      وسال هذا مضاءً دونهُ القضُبُ(4)

نسيمَ لبنانَ كم جادتكَ عاطرةً                                     من الرياضِ وكم حيَّاك منسكبُ

في الشرقِ والغربِ أنفاسٌ مسعّرةٌ                              تهفو إليكَ وأكبادٌ بها لهبُ

لولا طلابُ العلا لم يبتغوا بدلاً                                   مِنْ طيبِ ريَّاكَ(5) لكنّ العلا تعبُ

كم غادةٍ بربوع الشامِ باكيةٍ                                     على أليفٍ لها يُرمى به الطلبُ

فأين كان الشآميون كان لها                                    عيشٌ جديدٌ وفضلٌ ليس يحتجبُ

هذي يدي عن بني مصرٍ تصافحكمْ                            فصافحوها تُصافح نفسها العربُ

فما الكنانةُ إلا الشامُ عاج(6) على                               ربوعها منْ بنيها سادَةٌ نجبُ

 

* حافظ إبراهيم شاعر عربي من مصر ولد عام 1872 ومات عام 1932، وقد نُشرت قصيدة “سورية ومصر عام 1908، ونلاحظ أنها لا تقتصر على سورية ومصر، بل تنشد معهما الكثير من بلدان العرب.

(1) يجِبُ: وجيباً، بمعنى الاضطراب، والمقصود هنا الحرص والقلق على ركني الشرق سورية ومصر، والهلال رمز الإسلام طبعاً.

(2) الأمواه: جمع ماء، صيغة أخرى من مياه، والمقصود تصافح مياه نهري الأردن والنيل.

(3) ديم: جمع ديمة، وهو المطر المطول الذي ليس فيه برقٌ ولا رعد، المقصود دائمة العطاء بلا ضجيج.

(4) القُضُب: السيوف القواطع، ما يضرب ويقطع به، والمقصود أنها تحمي النور أو المضاء.

(5) ريّاك: رائحتك.

(6) عاج: مال وانحنى، بمعنى عرّج عليها، والعِوج من المصدر عاج.

 

 

 

 

 


Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *