Qawmi

Just another WordPress site

15060206_1510498982300665_1739424584_o

إبراهيم حرشاوي

خاص – لائحة القومي العربي

أثارت وفاة السمّاك المغربي”محسن فكري” ردود أفعال متعددة أرجعتنا إلى خطابات وانفعالات حركة عشرين فبراير، وهي شبيهة أيضاً بما شهدناه في دول عربية أخرى خلال ما سمي بالربيع العربي. ويتضح هذا الأمر في جوانب وأبعاد متعددة سنبرزها في نقاط مقتصرة أدناه، في محاولة لوضع إطار قد يُمكن المتتبع للشأن المغربي من ربطها بسياق أوسع، لجعل الظاهرة أكثر وضوحاً.

أولاً:  إنّ ما جرى للسمّاك المغربي في مدينة الحُسيمة شمال المغرب يتماهى في رمزيته و دلالته مع حادثة محمد البوعزيزي في تونس، وتتشابه الحادثتان أيضاً بإتهام شرطي في التسبب بإنتحار مواطن كادح بعد حرمانه من مواصلة بحثه عن قوته اليومي.  ويزداد الأمر شبهةً في كيفية ترويج الحادثة، فقد تم الترويج لكلا الحالتين عبر وسائل التواصل الإجتماعي وغيرها من المنابر الإعلامية خلال مدة زمنية قصيرة من دون اجراء تحقيق أو توثيق حقيقي ومستقل للحادثة.  فمثلاً تناولت الروايات أن رجل الشرطة قام باعطاء الأمر ” لطحن” محسن فكري بينما كان الأخير يحاول استرجاع أسماكه التي رمّتها الشرطة في الشاحنة.  لكن اللافت للنظرهي مقولة ” طحن مو” التي نسبت إلى الشرطي، اذ لم يتم التأكد من صحتها، وشهادات شهود العيان جاءت متضاربة حول هذه المقولة، ما يتشابه تماماً مع ادعاءات قيام شرطية تونسية بصفع البوعزيزي. فخرج الناس وقتها في تونس ودول عربية أخرى الى الشوارع باحتجاجات عفوية وعشوائية كانت مخترقة غربياً و بترو- دولارياً منذ البداية، وفي وقت قصير بعد ذلك تطور الأمر إلى عدوان أطلسي مباشر ضد ليبيا وغير مباشر ضد سورية.

ثانياً: إنّ المدينة التي حدثت فيها واقعة” السمّاك” معروفة تاريخياً منذ استقلال المغرب عام 1956م بطبيعتها المُتناقضة مع السلطة المركزية بالعاصمة الرباط، حيث تقع هذه المدينة في منطقة الريف، التي عرفها الوطن العربي والعالم الثالث مع اندلاع المقاومة المظفرة بقيادة عبد الكريم الخطابي ضد الإستعمار الإسباني شمال المغرب والإستعمار الفرنسي في وسط المغرب.  وكانت هذه المنطقة إثر ذلك من المناطق التي تمردت على السلطة المركزية بعد الاستقلال كون مقاوميها ومناضلها رفضوا صيغة انسحاب الاستعمار بحجة أن استقلال المغرب غير حقيقي لأنه لا زال خاضعاً لشروط المستعمر.  وتنبغي الإشارة هنا إلى “جمهورية الريف” التي ترأسها عبد الكريم الخطابي بعد تحرير منطقة الريف من الاحتلال الإسباني في بداية العشرينيات من القرن الماضي، وتعرف المنطقة خصوصية لغوية – أنثروبولوجية حيث تسكنها قبائل تتكلم بمعظمها اللهجة الريفية وهي إحدى اللهجات الأمازيغية الثلاث التي تتواجد في المغرب، وبالتالي تشكل هذه المنطقة أرضية خصبة لزعزعة استقرار المغرب خصوصاً إذا أخذنا بعين الاعتبار أن شريحة واسعة من أبناء هذه المنطقة ورثوا نقمة ضد السلطة المغربية (المخزن)، التي غالباً ما تتجلى ببعد اثني مُصطنع تروج له  شريحة من نخبة هذه المنطقة عبر خطاب قومي أمازيغي معادٍ للعرب والعروبة.  ومن الملفت للنظر أن رمزية عبد الكريم الخطابي خطفت وحرفت من قبل “الحركة الأمازيغية” شمال المغرب منذ سنوات بغرض تحويله إلى “رمز قومي أمازيغي” قاوم الإستعمار المُزدوج “العربي-الغربي” برغم أنّ عبد الكريم الخطابي كان مقاوماً جذرياً بتوجهٍ وحدوي على المستوى المغربي والمغاربي والعربي، ما يذكرنا بنفس حالة التجيير والتحريف إبّان العدوان الأطلسي على ليبيا لرمزية المجاهد عمر المختار من قبل ثوار الناتو لخلط الأوراق والتلاعب بالرأي العام لصالح الأجندات الاستعمارية.

ثالثاً: أصبح معروفاً لكل من يتتبع الشأن المغاربي بأن “الحركة الأمازيغية” تمثِل امتدادا للسياسة البربرية التي انتهجتها فرنسا في المغرب والجزائر لتقسيم المجتمع المغاربي المتماسك لمدة قرون إلى قسمين قسم “بربري أصلي” وقسم عربي “احتل شمال افريقيا مع الفتح الإسلامي”.  هذه الصورة الثنائية تتناقض مع عروبة الأمازيغ التي اثبثها التاريخ والثقافة واللغة، وبإمكان كل من يهتم بهذا الموضوع أن يراجع كتابات د. علي فهمي خشيم و د. عثمان السعدي والأستاذ سعيد عبد الله الدارودي وغيرهم من الذين وثّقوا عروبة الأمازيغ.  أما ما تروجه “الحركة الأمازيغية” بمُختلف مشاربها في المغرب وباقي الدول المغاربية فيندرج في مشروع “الشرق الأوسط الكبير” الذي تتبناه الإدارة الأمريكية بهدف تفكيك القواسم المشتركة المتمثلة في العروبة والإسلام.  ولا يخفى على أحد وجود علاقات علنية بين قادة “الحركة الأمازيغية” والكيان الصهيوني، وتذكر في هذا الصدد أسماء مثل أحمد عصيد ومليكة مزان ومنير كجي وأحمد الدغرني ومحمد بودهان.  كما تغذى هذه الحركة من قبل دوائر استعمارية  معروفة “كمبادرة الشراكة للشرق الأوسط” الأمريكية التي ترعى برنامجاً لدعم الثقافة الأمازيغية بمقاربة إستعمارية.  فوجود العلم “الأمازيغي” وعلم “جمهورية الريف” بشكل مُكثف بالمُظاهرات التي تشهدها المدن في منطقة الريف هدفه إعطاء بعد اثني للموضوع وإبرازه للإعلام الدولي بأنه مسألة تتعلق بصراع بين “الشعب الأمازيغي المقموع” و”سلطة عربية متغطرسة”، وأن مقتل السمّاك هي القطرة التي أفاضت الكأس.  ويزداد الأمر سوءاً مع تغييب أي مظهر من مظاهر الوطنية المغربية، وبالأخص العلم الوطني المغربي الذين يعتبرونه على حد زعمهم “رمزا للاستعمار العربي للمغرب”.

رابعا: لم تسلط الأضواء بشكلٍ كافٍ في الإعلام العربي على التوصيات التي أصدرتها لجنة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في الأمم المتحدة السنة الماضية مطالبةً المغرب بالاعتراف بحقوق “الأمازيغ”، وهو بالمناسبة أمر تواجهه كل الأقطار المغاربية، وكانت آخر التوصيات موجهة للحكومة التونسية قبل شهر من قبل نفس اللجنة.  فالقضية تتعلق بممارسات ابتزازية للدول الاستعمارية لضمان طاعة هذه الدول في ظل التحولات الجوهرية التي يشهدها العالم مع ظهورنظام دولي جديد متعدد الأقطاب.  كما لا تُعطى أهمية لتواجد أسلحة لدى ميليشيات أمازيغية في جبل نفوسة غرب ليبيا، الذي يشهد سيطرة كاملة من طرف عناصر تابعة “للحركة الأمازيغية” و”الكونغرس العالمي الأمازيغي” المدعوم غربياً. إن عسكرة “القضية الأمازيغية” هي الورقة الخفية التي يتم من خلالها ممارسة الضغوطات السياسية على الأنظمة المغاربية للخضوع للمصالح الغربية.

خامساً: ترجع المسؤولية في ما آلت إليه الأمور في شمال المغرب إلى حد كبير للدولة المغربية التي همّشت الهوية العربية – الإسلامية لصالح الهويات المُتفرعة، وتم تأكيد ذلك قانونياً في التعديلات الدستورية التي عرفها المغرب عام 2011 التي بعثرت الهوية الوطنية إلى هويات فسيفسائية هُمشت فيها قيمة الهوية المغربية الجامعة وتعززت في محصلتها الفرنسة المورثة من عهد الإستعمار .  وهذا التفكك الهُوياتي غالباً ما يكون مقدمة للتفكيك  الجغرافي، خصوصاً أنه جاء نتيجة لتوجهٍ رسمي ليبرالي يُضعف دور ومفهوم الدولة في إدارة الشؤون الإستراتيجية للبلاد ويجعل سياستها في خدمة رأس المال الدولي وطبقة الكمبرادور التابعة له بدلاً من خدمة الوطن والمواطن. إن الخطاب المغربي الرسمي حول الوحدة الترابية تنقصه النظرة الشمولية لأنه لا يتطرق إلى الوضع في شمال المغرب الذي لا يقل خطورة عن ملف الصحراء في جنوب البلاد، علماً بأن إسبانيا كباقي الدول الأوروبية المركزية تستثمر في إعادة تعزيز بصمتها بالمُستعمرات السابقة، فالنفوذ الثقافي والسياسي لإسبانيا الأطلسية في شمال  المغرب يعكس هذه السياسية ويجعل إسبانيا متواجدة ما بعد سبتة ومليلة، الأمر الذي قد يمكنها من تحريك وحتى تسليح أحفاد عبد الكريم الخطابي في يوم من الأيام تحت ذريعة “حقوق الأقليات” و”حق تقرير المصير”.

للمشاركة على فيسبوك:

https://www.facebook.com/Qawmi

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *