Qawmi

Just another WordPress site

34 

المجلة الثقافية للائحة القومي العربي… عدد 1 آذار 2017

 

– هل ما تزال الوحدة العربية حلّاً صالحاً؟/ صالح بدروشي

 

– صعود اليمين الشعبوي في الغرب: حركة تصحيح ضمن النسق الإمبريالي؟/ إبراهيم علوش

 

– عن الصعود الروسي وانعكاسه عربياً: مقاربة  من منظور جيو-سياسي/ إبراهيم حرشاوي

 

– شذرات حول أسس العمل الثوري/ عبدالناصر بدروشي

 

– كتاب جديد: قراءة في كتاب نقد الرِدّة عن المشروع القومي/ معاوية موسى

 

– مراجعة كتاب: قراءة سريعة لكتاب الاختراق الصهيوني للعراق/ علي بابل

 

– الصفحة الثقافية: (عمر) الفلسطيني، فيلم عن الداخل موجّه للخارج/ طالب جميل

 

– قصيدة العدد: ما زلت أشبهني/ طارق شخاترة

 

– كاريكاتور العدد

 

العدد 34 – 1 آذار 2017

PDF لقراءة العدد عن طريق فايل الـ

TT34-3

 

للمشاركة على الفيسبوك

https://web.facebook.com/Qawmi

TT34-3-page-001 TT34-3-page-002 TT34-3-page-003 TT34-3-page-004 TT34-3-page-005 TT34-3-page-006 TT34-3-page-007 TT34-3-page-008 TT34-3-page-009 TT34-3-page-010 TT34-3-page-011 TT34-3-page-012 TT34-3-page-013 TT34-3-page-014 TT34-3-page-015 TT34-3-page-016 TT34-3-page-017 TT34-3-page-018 TT34-3-page-019 TT34-3-page-020 TT34-3-page-021 TT34-3-page-022 TT34-3-page-023

 

هل ما تزال الوحدة العربية حلّاً صالحاً؟

صالح بدروشي

إن الحال الذي آلت إليه أمتنا العربية منذ انتهاء مرحلة الاحتلال العسكري الأوروبي المباشر للوطن العربي، أي بعد حوالي ستين عاماً من استدامة حالة التخلّف في كامل أرجاء وطننا العربي، إنّما تدلّ على فشل كلّ مشاريع التغيير نحو الأفضل التي شهدتها كلّ دولة عربية.  وبعبارة سياسية أوضح، لقد تأكّد فشل الحلّ القطري وثبتت صحّة وجهة النظر الإمبريالية في أن الحفاظ على حالة التجزئة والتشرذم العربي هو الضامن للإبقاء على الوطن العربي تحت السيطرة بفعل تثبيت حالة التخلّف فيه، لأن وضعية التفكّك التي تعتري الجسم العربي تضعفه وتساهم في بقائه خاضعاً لقوى الهيمنة الخارجية وتعيقه عن أي عملية نهضوية.

لقد كان المشروع الوحدوي عبر التجارب التاريخية لكل الأمم هو المخلّص الأساسي من الهيمنة الأجنبية، والضامن لتوفير عناصر القوة التي تؤمّن الاستقرار الداخلي والخارجي وتحمي من العدوان وتمكّن من اضطراد التقدّم نحو الأفضل ومجابهة المتغيّرات. ولقد أطنب المفكّر القومي الدكتور نديم البيطار في تفصيل هذا الأمر في كتاباته عن وحدة الأمم والقواعد التي تحكمها وعن استنتاجاته بخصوص الوحدة العربية على ضوء دراسة معظم التجارب الوحدوية عبر التاريخ البشري.

فكل الأمم التي نجحت في توحيد أبنائها تحت راية دولة قومية واحدة استطاعت أن تجد لنفسها مكاناً أو طريقاً للسير باتّجاه النهضة والتّغيير نحو الأفضل.  ومن بين الأمم الكبرى عراقةً وحجماً لم تبقَ سوى الأمّة العربية التي لم تنجح حتى اليوم في استعادة وحدتها وتحقيق لمّ شملها من جديد تحت راية دولة عربية واحدة، وذلك رغم كل ما يتوافر لأمّتنا من عناصر ومقوّمات الوحدة ما لا يتوافر لأيّ أمّة أخرى.

فالدول القُطرية فشلت بمختلف خططها وبرامجها الاقتصادية في النهوض بأقطارها.  وعلى الرّغم من شديد حاجتها لكلّ طاقاتها العمالية لإنتاج ما تستورده من مستلزمات الحياة الأساسية، إلّا أن نسبة البطالة أو العطالة فيها تفوق معظم الأرقام العالمية.

وكما فشلت الدّول القُطرية في برامجها الاقتصادية والتنموية فإن الأحزاب “القومية” فشلت في برامجها السياسية، لأنها ببساطة لم تتجاوز الحدود والكيانات القُطرية، بل أصبحت هي ذاتها جزءاً من الهوية السياسية القُطرية الجديدة على الرغم من عناوينها القومية، ولم تمنعها الشعارات الوحدوية التي ترفعها من الانكفاء داخل الحدود التي رسمها الاحتلال، والتي يُفترض بها أن تتجاوزها وألّا تخضع لها وأن تكون أول من يهدمها!

ففي ظل واقع التجزئة وضعف الدول القُطرية، نجد بعضها يهدر الثروات الطبيعية الهائلة ويقوم بتكديس الأموال في مصارف الدول الأوروبية والأمريكية وفي تمويل المشاريع الإمبريالية والحروب التي تدمّر البلاد العربية!  فيما يتسوّل البعض الآخر على أعتاب الإمبرياليين ويغرق في بالوعة الديون والتبعية الاقتصادية والابتزاز السياسي، وحتى الدول التي انتهجت نهجاً وطنياً مناهضاً للهيمنة الأجنبية، والتي نجَت من الغرق في مستنقع الديون مثل سورية والجزائر، وصلت أقصى ما يمكن أن تصلَ إليه في ظلّ التجزئة، وظلّت تراوح مكانها، وفي أحسن الحالات نراها تصمد أمام العدوان الخارجي ولا تستطيع أن تردعه كما يستوجب الأمر.  أمّا عن قيام دول بتخفيض سعر نفطها طوعاً إلى سدس قيمته، وهو مصدر دخلها الوحيد، ولصالح الغرب الإمبريالي! فهو أمرٌ يعجز المرء عن توصيفه، ولا يمكن أن يصدر إلّا عن دول خاضعة وممزّقة وضعيفة وفاشلة بفعل تشرذمها الذي أفقدها كلّ مقوّمات المناعة.

وإذا ألقينا نظرة سريعة على التاريخ المعاصر لدولنا العربية بلا استثناء يمكننا أن نلاحظ بكلّ بساطة ووضوح أنها:

  • كلّما انتهجت سياسة أو سلوكاً وحدوياً، وكلّما اقتربت من الفضاء القومي، تحسّن المستوى المعيشي لمواطنيها وانتعش اقتصادها، بل وانعكس ذلك أيضا بالإيجاب على جيرانها وأقطار عربية أخرى مثلما كانت انتعاشة وازدهار مصر في مرحلة مدّها القومي، على الرغم من الحروب التي كانت تخوضها، وكذلك انتعاشة العراق وليبيا والجزائر وانعكاس ذلك على الأردن وتونس واليمن وموريتانيا والمغرب. كانت ليبيا مثلاً تستقبل العمالة من تونس والسودان وسورية ومصر، وكان العراق وسورية مفتوحين في وجه التجارة البينية العربية واستقبال الطلاب والشباب العرب من كل مكان ومن فلسطين، ولقد وصل القمح من الشام هِبة مجاناً إلى تونس، كما كانت كتب الدراسة تصل من العراق مجاناً إلى موريتانيا وتونس، كما لا ننسى ضخّ النفط العراقي في زمن صدّام حسين بالمجان إلى الاردن، وتزويده بالخضراوات والمنتوجات السورية بأسعار زهيدة.  كما كانت الأوضاع إيجابية نسبياً حتى في دول الخليج العربي.
  • وبالمقابل نرى أنّه كلّما انتهجت الدول العربية سياسة قُطرية أو سلوكاً انفصالياً، وكلّما ابتعدت عن الفضاء القومي وتقوقعت في إقليميتها بل واتجهت خارج الفضاء العربي، إلّا وتدنّى المستوى المعيشي لمواطنيها وانتكس اقتصادها، بل وانعكس ذلك أيضاً بالسّلب على جيرانها وأقطار عربية أخرى مثلما كانت انتكاسة مصر إثر خروجها من الفضاء القومي العربي، ولم تعد اسمها “الجمهورية العربية المتحدة”، وأصبح اسمها فقط “جمهورية مصر العربية”، حيث في مرحلة تقوقعها الإقليمي على الرغم من خروجها من كل الحروب بعدما كانت تصنّع وتصدّر الفول المدمّس إلى دول الخليج أصبح الشعب المصري يقتني الفول بالطوابير وبطاقات التموين وعلب الفول تستورد من كندا!! الشيء الذي لم يحصل حتى بعد هزيمة 1967 العسكرية. فعلبة الفول المدمس التي كانت تنتجها مصانع “قها” و”إدفينا” كانت تشغّل العمال المصريين، ولما خرجت مصر من دائرة الفضاء القومي الوحدوي، أقفلت المصانع وأصبح المواطن المصري يأكل العلب المستوردة ليشغّل العمّال في كندا.   هكذا أصبح حال مصر التي كانت في عهد جمال عبد الناصر تفتح مصنعاً كلّ 48 ساعة في زمن باني الصناعة المصرية عزيز صدقي (رئيس الوزراء المصري الأسبق).  أمّا انتكاسة العراق وليبيا اللتين تحتويان على أضخم مخزون نفطي على الإطلاق في آسيا وفي أفريقيا، ومن قبلهم الجزائر إثر عشرية الإرهاب، وانعكاس ذلك على الأردن وتونس واليمن وموريتانيا والمغرب، فهو أمر واضح جليّ عندما نرى ليبيا والعراق تغرقان في الظلام والجوع والمرض بعد أن تمّ إخراجهما من دائرة الفضاء القومي والوحدوي وأصبح الليبيون والعراقيون والسوريون مهجّرين في كل من مصر وتونس والأردن وتركيا في مخيّمات، هي أشبه بالمستنقعات، في الوقت الذي كانت سورية الوحدوية قد استقبلت واستوعبت في أحسن الظروف ومن دون مخيّمات أكثر من مليون عراقي بعد الغزو الأمريكي للعراق، وكل من لجأ إليها من لبنان في عدوان 2006.. ولما ابتعدت المنطقة العربية عن التّوجّه الوحدوي وغاصت باتجاه مزيد من الفرقة والتقسيم بفعل وباء “الربيع العربي”، فقدت كلّ مناعة وأصبحت سهلة وسريعة الاشتعال والاحتراق والاختراق.  أمّا اليمن “السعيد” والسودان والصومال فلا حاجة لقول شيء إضافي بشأنهم .. واسألوا المواطن العربي من المحيط إلى الخليج عن حال الأسعار ومستوى المعيشة في كل نواحي الحياة اليومية! واسألوا الشباب العربي عن التشغيل! وفي الوقت الذي نجد فيه سورية المتمسّكة بنهجها الوحدوي تؤمّن غذاء شعبها وتحافظ على تحرّرها من الديون الأجنبية، على الرغم من الحرب الكونية التي تخوضها لصدّ العدوان الخارجي المسلّط عليها.. نجد في المقابل أنّ أغنى الدول العربية وهي الدول الخليجية، بإمعانها في السير في النهج الإقليمي ومحاربتها للتوجّه الوحدوي، تصبح مرتهنة بالديون رغم ضخامة وخيالية الثروات(1) التي تمتلكها.

فما تعيشه دولنا العربية على اختلاف أحجامها الجغرافية والسكانية والثرواتية، وعجزها جميعها من دون استثناء عن الخروج من دائرة التخلّف والهيمنة الأجنبية والاحتلال بدرجات متفاوتة، إنّما يؤكّد على أن مشروع التغيير في الوطن العربي لا يمكن أن يكون إلّا قومياً في المنطلق والتخطيط والممارسة، وليس فقط في الشعار، وأنّه آن الأوان أن يدرك الجميع ويقرّ بالحقيقة الساطعة التي تحيط بنا من كلّ جانب وهي أنه بعد تجربة نصف قرن من فشل الحلول الإقليمية، لا خلاص لنا إلّا بالوحدة العربية .. لا خلاص لنا إلّا بالوحدة العربية.

وعندما نقول الوحدة، فإننا نراها طبعاً كإحدى المرتكزات الثلاثة التي يقوم عليها بقاء المواطن العربي وهي أهداف المشروع القومي العربي؛ الوحدة والتحرير والنهضة، وهي أهداف يغذّي بعضها بعضاً سلباً أو إيجاباً ومرتبطة ارتباطاً وثيقاً في علاقة لا تنفصل.  وكذلك لا تكون الوحدة هكذا مباشرة من دون أيّ مقدّمات، بل يجب بكلّ بساطة أن نقوم أوّلاً بتعديل بوصلتنا باتّجاه الوحدة العربية، ثمّ نلتفت ونضع أنفسنا موضع الاتّجاه الصحيح، ثمّ ننطلق باتّجاه تحقيق الوحدة في كل مساعينا.  فهذا هو المنهج العلمي في السعي لتحقيق الأهداف المنشودة.  وأمّا من يواصل الغوص في قُطره بحثاً عن الحلّ داخل حدوده المعيقة، فلن يجني أكثر من السراب والوبال الذي جناه من سبقوه لنفس التجربة وكانوا يظنّون أنه لا علاقة مباشرة بين أزمة التنمية والبطالة والأمن وبين غياب الوحدة ووجود الاحتلال والكيان الصهيوني في الجسد العربي.  مثلاً، يغيب عن كثيرين أنّ سفارة الكيان الصهيوني تشكّل أحد شرايين الحياة الأساسية التي تغذي الإرهاب الذي يدمّر مصر أمنياً واقتصادياً، وأن المخابرات الصهيونية هي أحد أهمّ الأطراف التي سعت إلى تسريع إحلال الخراب وتوسيع رقعته في كل من ليبيا والعراق.

لا بدّ من التذكير بأن المقارنة بيننا وبين الأمم المتقدّمة تبيّن أنّ لدينا مثل ما لديهم وأكثر من التعداد البشري، ومساحة الأرض، والموقع، والمناخات الطبيعية المواتية والمتنوّعة والبحار والأودية والثروات الباطنية ويضاف إلى كلّ ذلك العمق الحضاري والتراث الثقافي الفريد ناهيك عن ميزة وطننا العربي بكونه مهد الحضارات ومهبط الرسالات السماوية الثلاث ومبعث الأنبياء.  وأمام مخرجات هذه المقارنة فإنّ كلّ عربي حرّ لا بدّ له أن يخجل ويتألّم عندما يسمع عبارة العملاق الروسي والعملاق الألماني والعملاق الأمريكي والعملاق التركي والعملاق الفارسي والعملاق الكوري والعملاق الياباني، ولا يرى من الجسم العربي الغني بكلّ شيء سوى أشلاء قزمية محتقرة ومستباحة من الجميع.  وعملاقنا المارد العربي الذي ننشده ونريده هو عملاق خير على سائر البشر وليس أداة طغيان واستكبار وظلم وتوسّع مثل الكثير من “العمالقة”.  وما صمود سورية في هذا الظلام العربي الدامس وبروز الشباب العربي الفلسطيني الثائر من تحت الرّكام إلّا دليل على أنّ أمّتنا لا تموت وإذا استعملنا البوصلة الصحيحة بالأسلوب الصحيح وأدركنا أن الوحدة العربية هي الخلاص سننتصر .. فهمّة يا شباب العرب! فقبل الدخول في مناقشة جدواها والخوض في تحليل مدى بقائها حلّاً أساسيّاً لمشاكل الأمة العربية، كنّا ندرك أن الوحدة العربية بالنسبة لنا كعرب إنما هي ضرورة طبيعية لحياتنا وهي إعادة للأمر الطبيعي لأمّة مزّقها أعداؤها رغماً عن إرادتها وضدّ مصالحها..

  • (1) في دراسة اقتصادية نفذتها مجموعة “ميريل لينش” المتخصصة في رصد الثروات المالية في العالم، ونشرتها صحيفة “الاقتصادية” في عددها رقم 2869 الصادر ب 2010، تبيّن تصدر الأثرياء الخليجيين لقائمة أثرياء العرب الذين يملكون أكثر من 800 مليار دولار، ونصيب الأثرياء الخليجيين منهم 718 مليار دولار، نصفهم للأثرياء السعوديين، وعدد أثرياء الخليج 185 ألف من إجمالي 200 ألف ثري عربي. ويشير التقرير إلى عدم إدخال الحسابات الحكومية ضمن القائمة، ومن دون احتساب الأثرياء اللبنانيين المغتربين.

صعود اليمين الشعبوي في الغرب: حركة تصحيح ضمن النسق الإمبريالي؟

إبراهيم علوش

خصّصت مجلة “ذي إيكونومِست” البريطانية محور عددها الصادر في 28/1/2017(1) لتراجع الشركات الدولية الكبرى في السنوات الخمس الأخيرة، قبل الصعود الحادّ لموجة اليمين الشعبوي في الغرب بفترة معتَبرة.  ومن المعروف أنّ ذلك اليمين، على ضفتي الأطلسي، يوجّه سهام نقده الحادة للعولمة التي تقودها الشركات الكبرى متعديّة الحدود، وأنّ ذلك اليمين يدعو لسياسة حمائية protectionist policy تهدف لمحاربة الواردات وتدفق المهاجرين وإبقاء رأس المال المحلي في الداخل وتشجيع الصناعة الوطنية وتوليد الوظائف ضمن نطاق الاقتصاد المحلي. لذلك فقد نزع كثيرون إلى تفسير الصراع الذي يخوضه اليمين الشعبوي ضد العولمة باعتباره صراعاً بين الحرس القديم والأقسام المتضررة من العولمة من البرجوازية القومية في الدول الصناعية المتقدمة، من جهة، وبين رأس المال المالي الدولي الذي يمثّل رأس الحربة وقوة الدفع الرئيسية في قاطرة العولمة، من جهة أخرى (2).

لكن مجلة “ذي إيكونومِست” المرموقة، والمعروفة بكونها إحدى أعتى القلاع الأيديولوجية لرأس المال المالي الدولي، والعولمة، والشركات متعدية الحدود، وهي المجلة التي خاضت الحرب الإعلامية بـ”الباع والذراع”، كما يُقال، ضد ترامب لمصلحة كلينتون، خرجت الآن بتقرير بحثي جادّ، ضمن محور عدد، يفيد بأنّ تراجع العولمة والشركات الدولية الكبرى سابقٌ لصعود ترامب واليمين الشعبوي بسنوات، مما يعني فعلياً، أنّ صعود اليمين الشعبوي هو نتيجة موضوعية، وليس سبباً مباشراً، لتراجع العولمة، مع أن المجلة لم تفتِ بذلك صراحةً!  فهل يأتي مثل ذلك القول لإحباط أنصار اليمين الشعبوي وتنفيس جَيَشَانِهم المعنوي بعد موجات انتصاراتهم المتلاحقة، أم أنه يأتي في سياق محاولة إيجاد صيغة تفاهم ما مع ترامب واليمين الشعبوي بعد وصول ذلك اليمين إلى سدّة الحكم في الولايات المتحدة، أكبر اقتصاد إمبريالي، وتمكّنّه من الدفع باتجاه إخراج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، واحتمالية وصوله لسدّة القرار في عدة دول رأسمالية متقدمة؟

إذا كان ما تقوله المجلة صحيحاً عن تراجع فعالية النشاط الاقتصادي المعولَم ووزنه النسبي، قبل اليمين الشعبوي بسنوات، وعن تمدد الشركات متعديّة الحدود عبر القارات بأكثر مما تبرره اقتصاديات الحجم (انخفاض التكلفة الوسطية للوحدة الواحدة من سلعة أو خدمة ما مع تزايد الكمية المنتجة منها) وبأكثر مما تبرره الفروق في الأجور والمواد الخام الأقل سعراً، والقوانين الأكثر تهاوناً إزاء البيئة وحقوق العمال إلخ… في العالم الثالث، فإنّ صعود اليمين الشعبوي يكون حينها أقرب لحالة تصحيح لعولمة انفلشت أكثر مما يجب، وباتت بحاجة لإعادة التمركز تمهيداً لموجة تمدد وإعادة انتشار لاحقة ربما تتخذ أشكالاً مختلفة عن تلك التي اتّخذتها في الفترة الواقعة بين انهيار المنظومة الاشتراكية وبين الأزمة المالية الدولية، أي بين عامي 1990 و2008.  وفي مثل تلك الحالة فإنّ صعود ترامب وقوى اليمين الشعبوي لسدّة الحكم يكون قد جاء لإنقاذ النظام الإمبريالي من عولمة دخلت في طور الأفول والأزمات، وعلى رأسها أزمة الديون في منطقة اليورو منذ نهاية عام 2009، ولإدارة المرحلة التاريخية الجديدة، مستندةً لتعبئة تلك الشرائح المهددة من عمّال وبرجوازية الدول المتقدمة التي تضررت من العولمة، والتي تحنّ إلى عصرها الذهبي: دولة الرفاه التي تقودها البرجوازية القومية المسنودة بنقابات عمالية تدافع عن سياسات دولتها الإمبريالية وتستفيد منها.

ولا بد من التذكير بما هو بديهي هنا وهو أن هذا اللون بالذات من “مناهضة العولمة” يختلف جذرياً عن مناهضتها على أساس مناهضة الإمبريالية، أو من منطلقات يسارية، أو على أرضية مشاريع التحرر أو الاستقلال الوطني، مع أن بعض التقاطعات قد تنشأ بين اللونين (كما في بعض الإشارات الإيجابية بين روسيا بوتين ذات النزعة المستقلة وبين ترامب)، ومع التذكير أنّ ثمّة نزعات معارضة للعولمة من داخل المنظومة الرأسمالية ومن خارج إطار اليمين الشعبوي (3)، لكن هذا ليس موضوعنا هنا.

فإذا كان صعود اليمين الشعبوي حركة تصحيح وإعادة تمركز أفرزها النظام موضوعياً، لا يعود من المهم إن كانت قد تمّت برضى أقطاب رأس المال المالي الدولي مسبقاً أم أنهم قيّموا ما جرى لاحقاً وتوصّلوا إلى أنّ تقدم اليمين الشعبوي جاء انعكاساً لعوامل ضعف موضوعية في ديناميكيات العولمة نفسها في السنوات الأخيرة وبالتالي وجدوا أنفسهم مضطرين لاستيعاب الموجة اليمنية الشعبوية بعدما عجزوا عن تخطّيها، ليصبح ما جاءت به “ذي إيكونومِست” جزءاً من ذلك السياق، فالمهم أنّ عوامل ضعف موضوعية في ديناميات العولمة باتت تناقشها إحدى أشدّ قلاع الرأسمالية المعولمة صلابةً، ومنها:

  • أنّ متوسط أرباح أكبر 700 شركة دولية عابرة للحدود في الدول المتقدمة انخفضت بمعدل 25% بالمئة خلال السنوات الخمس الأخيرة، فيما ارتفعت أرباح الشركات الكبرى المحلية حوالي 2%،
  • أنّ العائد على القيمة الرأسمالية لهذه الشركات الـ700 انخفض من 18% إلى 11% خلال السنوات العشر الأخيرة،
  • أنّ العائد على القيمة الرأسمالية للعمليات الخارجية للشركات الأمريكية والبريطانية والهولندية، وهي بعض أهم الشركات الدولية وأكبرها، انخفض إلى أقل من خمسة بالمئة (4.8%)، مما يعني أن أرباح استثماراتها الخارجية باتت أقل بكثير من الماضي،
  • أنّ العائد على العمليات الخارجية للدول الصاعدة، مثل الصين، انخفض إلى 8% بالمتوسط،
  • أنّ 40% من الشركات متعدية الحدود باتت تحقق معدل عائد أقل من 10% على القيمة الرأسمالية،
  • أنّ قطاع التكنولوجيا يمثّل استثناءً لما سبق، فمن بين الشركات الأمريكية الناشطة دولياً في ذلك القطاع، باتت الأرباح من عملياتها الخارجية تشكل 46% من أرباح أكبر خمسين شركة أمريكية عابرة للحدود، فيما كانت تلك النسبة 17% قبل عشر سنوات… شركة Apple وحدها مثلاً حققت 46 مليار دولار من عملياتها الخارجية في العام 2016،
  • بالمقابل، في ثمانٍ من أصل عشرة قطاعات اقتصادية، كان نمو مبيعات أكبر 500 شركة عابرة للحدود أقل من نمو مبيعات نظيراتها المحلية، وفي ستة قطاعات من عشرة، كان معدل أرباحها أقل، وفي الولايات المتحدة نفسها، بلغ متوسط أرباح الشركات الكبرى 30% أكثر في السوق المحلية مما بلغ في السوق الدولية،
  • رغم ذلك لا يجوز التقليل أبداً من وزن الشركات متعدية الحدود التي لا تزال تشكل مركز الثقل في الاقتصاد الدولي، فمن بين يديها تمرّ أكثر من 50% من حركة التجارة الدولية، وهي لا تزال تمثّل حوالي 40% من قيمة أسواق الأسهم في الدول الغربية، كما أنها تملك معظم حقوق الملكية الفكرية في العالم اليوم،
  • إلا أنّ ذلك لا يغير من حقيقة تراجع الاستثمار الأجنبي المباشر، كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، من حوالي 63% عشية الأزمة المالية الدولية عام 2008 إلى أكثر بقليل من 51% في العام 2015، وقد كان هناك تراجعٌ كبير مماثل عقب صدمة الأزمة المالية في دول جنوب شرق آسيا في صيف عام 1997،
  • وأخيراً وليس آخراً، لا بد من التذكير أن هذه الشركات متعدية الحدود نفسها، على كل جبروتها، لا توظّف أكثر من 2% من مجموع العاملين في العالم، وفي الولايات المتحدة مثلاً، لم تنتج الشركات الأمريكية عابرة الحدود إلا 5% من الـ400 ألف وظيفة جديدة التي نشأت في الاقتصاد الأمريكي بين عامي 2009 و2013.

ويظهِر كل ما سبق ملامح التراجع في حال العولمة خلال السنوات الأخيرة، مما تؤكّد “ذي إيكونومِست” أنّه ظاهرة يصعب أن نختزلها، كما يفعل البعض، في عوامل عرضية من المنظور التاريخي مثل ارتفاع سعر الدولار (مما يقلل تلقائياً من قيمة الأرباح الخارجية بالعملة الأمريكية ويضعف من جاذبية الصادرات الأمريكية)، وانخفاض أسعار النفط والغاز (مما يخسف أرباح شركات الطاقة مثل Exxon وغيرها)، والركود الاقتصادي في منطقة اليورو (مما يقلل المبيعات)، وحملة الصين على الفساد، إلخ…   فهو تراجع يعود لاستنفاذ فوائد التمدد النابعة من اقتصاديات الحجم والفروق في أسعار المدخلات مع دول العالم الثالث، ويعود لاستفادة الشركات المحلية من أن كُلَفها العامة overhead costs والإدارية أقل، ومن التدفق شبه الحرّ للمعلومات، مما يمكنّها من اللحاق بشكل أسرع بالشركات الدولية والتفوّق عليها في الكثير من الحالات، خصوصاً في الصين والهند والبرازيل، مما قلّل حصة الشركات الدولية من مجموع الأرباح العالمية من 35% قبل عَقْد من الزمان إلى 30% اليوم.

ومن البديهي أنّ هذا التفسير يقفز بصورة اعتباطية عن نزعة الرأسمالية العالمية للدخول في أزمات، ويتجاهل بشكل غريب أنّ التراجع الأخير جاء بعد الأزمة المالية الدولية في العام 2008، وأنّ الدول التي لم تَعشْ أزمة، مثل الصين، تقوم على شراكة بين القطاعين العام والخاص، وأنّ مفاعيل العولمة لا تسرح ولا تمرح فيها كما تشاء.  مثلاً، مع العام 2010، كان 30% من الإنتاج الصناعي الصيني، و50% من الصادرات الصينية، كانت نتاج فروع صينية لشركات أجنبية، أو لشراكات صينية-أجنبية، فيما قطاع الإنترنت الاستراتيجي يظل محجوباً بالمجمل عن الشركات الأجنبية، كما تقوم الحكومة الصينية بحملة لتوطين التكنولوجيا وحقوق الملكية الفكرية التي تملك الشركات متعدية الحدود معظمها.

بجميع الأحوال، تتوقع “ذي إيكونومِست” أنّ المرحلة المقبلة ستشهد ثلاثة تطورات على صعيد العولمة هي:

  • قيام بعض الشركات الدولية الكبرى بتأسيس مصانع وفروع منتجة في بعض الاقتصادات المحلية للتأقلم مع النزعة الشعبوية، ونزعة الاستقلال الوطني في بعض الدول، وللاستفادة من نفس المميزات التي ساعدت الشركات المحلية الكبرى على اللحاق بالأجنبية وتجاوزها، وهو ما تقوم به شركات دولية عملاقة مثل General Electric وEmerson الأمريكيتين، وشركة Siemens الألمانية،
  • نموّ ظاهرة تأجير حقوق الملكية الفكرية عبر الحدود لشركات محلية تنتج تحت رخصة من الشركة الأم مقابل رسْم أو نسبة من المبيعات أو الأرباح، كما تفعل شركات الأدوية وشركات فنادق هيلتون وإنتركونتينتال، وماكدونالدز، وبعض شركات التكنولوجيا مثل غوغل ونتفلكس،
  • نموّ ظاهرة اشتراك المنشآت الاقتصادية الصغيرة والمتوسطة في العولمة عبر التجارة الإلكترونية، والتي تقدّر قيمتها حالياً بحوالي 80 مليار دولار سنوياً، وكان جاك ما، رئيس شركة علي بابا الصينية للتجارة الإلكترونية، من موجة من الشركات الغربية الصغيرة المصدّرة للصين لتقلبَ اتجاه الاستيراد والتصدير بين الصين والغرب رأساً على عقب.

تضيف “ذي إكونومِست” في مادة أخرى ضمن محور العدد نفسه أنّ دونالد ترامب قضى أيامه الأولى في البيت الأبيض مغازلاً للمدراء التنفيذيين لأكبر الشركات الأمريكية، وأنه جالَسَ أو عيّنَ في منصب استشاري أو رسمي الكثير منهم، بما فيهم مديرو ثماني من أكبر عشر شركات أمريكية، بعضهم كان من أشدّ المعادين له، أو ممّن هاجمهم ترامب بقسوة خلال حملته الانتخابية، وعرض عليهم مشروعاً لتخفيض الضرائب على أرباح الشركات من 35 إلى 20% (التي لم يكونوا يدفعون منها إلا نسبة 23% من أرباحهم بفضل “شطارة” محاميهم ومحاسبيهم)، والكثير من التساهل في تطبيق القوانين عليهم، كما استمزجهم في الكثير من الاستراتيجيات التي يقترحها للنهوض بالاقتصاد، وطلَبَ منهم أن يعيدوا مدّخرات شركاتهم من الخارج إلى الولايات المتحدة معفَاة من الضرائب.  وإذا كانت فترة حكم أوباما قد شهدت ارتفاع أرباح تلك الشركات داخلياً إلى مستويات تاريخية، وشهدت تخفيف قبضة مكتب مكافحة الاحتكار في وزارة العدل عليهم مما سمح بنشوء الكثير من احتكارات القلة Oligopolies، فإنّ الاقتصاد الأمريكي عامّة كان يعاني، والمبيعات كانت تشهد جموداً لم يشجع على زيادة الاستثمار، فيما يطلق برنامج ترامب لتحفيز الاقتصاد الأمريكي نفَسَاً متفائلاً دفع مؤشر داو جونز القياسي لأسعار الأسهم إلى أكثر من 20 ألف نقطة لأول مرة في التاريخ في يوم 25/1/2017 بعد التلويح بالتخفيض الكاسح على ضرائب أرباح الشركات.  والعبرة هي أنّ الشركات الأمريكية القائدة لحركة العولمة اكتشفت في نفسها فجأة حالة ولع شديدة بدونالد ترامب على ما يبدو!

العبرة الأهم هي أن منظومة العولمة في طور الدخول في حالة تحوّل عنوانها المرحلي في الدول المتقدمة (وفي دول البريكس من قبلها) هو التركيز على الاقتصاد المحلي، ولهذا فإن كان هنالك شيء يجب أن نتعلمه مما يجري فهو أنه سيكون من الغباء أن نكون كمن يذهب للحج والناس راجعة، ولهذا فإنّ الإصرار على الانفتاح غير المدروس إزاء الشركات والمؤسسات الدولية هو نهج بات يتراجع عنه من أطلقوه أصلاً، كما نرى مما جاء أعلاه، فالضغوط التي يمارسها صندوق النقد الدولي على مصر والأردن مثلاً لزيادة الانفتاح وزيادة الضرائب وتحرير الأسعار تسير بعكس الاتجاه الذي تتخذه الدول الرائدة في مشروع العولمة.  ويمكن أن نقول أنّ هذا التراجع والتقوقع سيساعد على نشوء نظام دولي متعدد الأقطاب، وأن ذلك سيساعد بتخفيض منسوب الهيمنة، ولكنه لن يؤدي بالضرورة لتراجع الصراعات الإقليمية، بل ربما يؤدي لتأججها، مع سعي اللاعبين الدوليين والإقليميين لملء أي فراغ قد تتركه الولايات المتحدة، وربما تجد الولايات المتحدة نفسها في وضعية تجبرها على ممارسة الحرب للتعويض عن أفولها الاقتصادي الدولي، لكن هذا موضوع آخر، وبما أننا في الموضوع الاقتصادي تحديداً، فإنّ موضوعنا سيكون بالضرورة: كيف نحقق تنمية اقتصادية بوتيرة عالية بعيداً عن الهيمنة الإمبريالية؟

من الواضح أن الاتجاه الدولي إذن هو نحو المزيد من التركيز على الذات والتنمية القومية، وأنّ شعوب الدول المتقدمة نفسها باتت تسعى للتملص من قيود المؤسسات الدولية، مع أنها لا تعاني أزمات فقر وبطالة وموارد غير مستغلة ونهب خارجي بالمقدار الذي نعانيه نحن!  فما بالكم بنا نحن؟!  فلا بد أن يكون العنوان بالضرورة هو تنمية الصناعة والزراعة والقطاعات المنتجة التي يمكن لها وحدها أن تحقق أعلى نسب التوظيف للشباب والخريجين وترفع مستوى المعيشة، ونودّ في هذا المضمار أن ننوّه بسعي الجزائر لتأسيس نموذج استبدال استيراد السيارات بصناعتها محلياً.  ويذكر أن عدداً من المواقع الإخبارية العربية نشرت تقارير يوم 11/2/2017، نقلاً عن وكالة الصحافة الفرنسية(4)، عن تقييد الجزائر لاستيراد السيارات وحضّها المستوردين منذ عام 2014 على تصنيع سيارة محلية.

وإذا كان الدافع هنا هو انخفاض أسعار النفط، مما خلق أزمة اختلال في توازن الحساب الجاري والميزان التجاري تهدد بشفط مخزون البلاد من العملة الصعبة، فإن سياسة الإصرار على التصنيع المحلي لا تقلل من فاتورة الاستيراد فحسب، التي بلغت 7،6 مليار دولار في العام 2012 في الجزائر لتهبط إلى مليار دولار في العام 2016، بعد القيود، بل تساعد على توليد الوظائف، وعلى إطلاق عجلة التصنيع المحلي المسانِد للصناعات الاستراتيجية، مما يمهّد لنشوء بدائل محلية للفروع الأجنبية بحسب نظرية دورة حياة السلعة لريموند فرنون Raymond Vernon، الاقتصادي الأمريكي في جامعة هارفرد الذي وضع قصة نشوء وارتقاء السلعة في نظرية تتضمن أربعة فصول تحل فيها البدائل الأجنبية محل الأصلية في المرحلة الرابعة.  فلا تلقوا بالاً بالمشككين بصناعة السيارات الجزائرية بذريعة أن كُلَف قطع الغيار المستوردة من الخارج تجعلها أقل كفاءة من السيارات المستوردة، لأنّ التخطيط لصناعة السيارات يفترض أن يتضمن تخطيطاً للصناعات الرديفة، خصوصاً المنشآت التي يمكن أن تزودها بالقطع، والمهم أن لا (ألَّا) تتعرض المحاولة لعملية تخريب ممنهج، لأن الواقع لن ينتجها لوحده من خلال السوق من خلال “اليد الخفية” من دون “سياسة صناعية” هادفة.

ويقول ريموند فيرنون أن المرحلة الثالثة من دورة حياة السلعة يفترض أن تجبر الشركات الأجنبية على افتتاح فروع إنتاجية لها في الاقتصاد المحلي، عندما يتسّع الاستهلاك المحلي وترتفع الحواجز أمام الدخول الحرّ للسلعة، كما فعلت شركة رونو الفرنسية التي أسست مجمعاً لتصنيع السيارات في وهران في العام 2014، كما قامت رونو نفسها بتأسيس مصنعٍ في طنجة في المغرب ينتج مئتي ألف سيارة سنوياً.   كذلك فعلت شركة هونداي الكورية في العام 2016، ويفترض أن تبدأ شركتا فولكسفاغن وسكودا إنتاجهما قريباً في الجزائر.   والحمدلله على انهيار أسعار النفط والغاز الذي بات يدفع باتجاه التصنيع، خصوصاً أن البديل هو تبديد الثروات الوطنية ورهنها للخارج واحتياطيات العملة الصعبة ومن ثم الاقتراض.  فلا بد من نزعة استقلال وطني أصلاً ليتحقق التصنيع، ولكن لا بد من التذكير أيضاً أن صناعة السيارات، والحديد والصلب، والطائرات، والأسلحة، ومعظم الصناعة الثقيلة أو التكنولوجية، تعتمد على اقتصاديات الحجم، وعلى استثمار رأسمالي أولي عالي جداً، وهو ما يجعل إنشاءها في الأسواق الصغيرة غير مجدٍ اقتصادياً، ولذلك فإن تتمة المشروع التصنيعي هي بالضرورة المشروع الوحدوي الذي يمكن اشتقاق ضرورته هنا من دالة الإنتاج الرياضية Production Function ومن دالة العائدات، لا من أي طموح رومانسي، رغم مشروعيته التامة، لتحقيق الوحدة العربية.  فالسوق الأوسع باتت ضرورة لكي يحيا الاقتصاد العربي، و لكي لا يموت الناس من الجوع والبطالة والفقر.

************************

الهوامش:

 

  • انظر مثلاً “العولمة وصعود نجم اليمين الشعبوي في الغرب”، د. إبراهيم علوش، نداء الوطن، 4/12/2016.
  • انظر مثلاً كتاب Globalization and its Discontents، لحامل جائزة نوبل جوزيف ستيغلتز، والذي صدر في العام 2002، والذي نجد على غلافه الخلفي مدائح المتمول الدولي جورج سورس للكتاب!
  • انظر مثلاً صحيفة “الغد” الأردنية أو موقع قناة “المنار” في 11/2/2017.
  • Hill, Charles (2007). International Business Competing in the Global Marketplace 6th ed. McGraw-Hill. p. 16

 

 

عن الصعود الروسي وانعكاسه عربياً: مقاربة  من منظور جيو-سياسي

إبراهيم حرشاوي

ترجع بذور فكرة إنشاء عالم متعدد الأقطاب إلى الفترة التي أعقبت الحرب الباردة، والتي رافقت أطروحة “نهاية التاريخ” للمفكّر الأمريكي فرانسيس فوكوياما التابع لتيار المحافظين الجدد. فالانهيارالذي أصاب المعسكر الاشتراكي عبر تفكيك الاتحاد السوفياتي لم يدم طويلاً، فما لبث العالم حتى شاهد عملية إعادة بناء روسيا كقوة إقليمية تطمح إلى فرض نفسها كدولة عظمى تنافِس الدول الغربية في كل جوانب السياسة الدولية.

وقد كانت أولى الخطوات التي قامت بها روسيا لإثبات طموحها في النهوض والعودة كقوة عظمى هو تبنّيها لـ”عقيدة كراكانوف” -نسبةً للمفكّر السياسي الروسي سيرجي كراكانوف- وكان ذلك مع توقيع اتفاقية مينسك في روسيا البيضاء وتأسيس رابطة الدول المستقلة عام1991م. وتعتمد هذه العقيدة على مرجعية القومية الروسية كوْن روسيا تطمح إلى حماية مصالحها على المستوى الإقليمي من باب حماية التجمّعات والأقليّات الروسية المتواجدة في الدول المجاورة، أي في جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابقة التي أصبحت بمعظمها جزءاً من رابطة الدول المستقلة. فحماية الأقليات الروسية إقليمياً تعدّ من ثوابت السياسة الخارجية للدولة الروسية بعد انهيار الاتحاد السوفييتي. وتسعى روسيا من خلال ذلك إلى خلْق نفوذ قوي يعزز هيمنتها في الدول المجاورة، وبالأخص تلك التي تتأرجح بين الاستقلال الوطني وبين الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي. ومن جهة أخرى، تنبغي الإضاءة على الدور الذي لعبه يفكيني بريماكوف الذي شغل منصب وزير الشؤون الخارجية في نهاية التسعينيات، إذ يُربط اسم بريماكوف مع هندسة عقيدة سياسة خارجية روسية ترمي إلى بناء نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب. ولقد دعا بريماكوف في هذا المضمار إلى تشكيل “مثلث استراتيجي” يضمّ الهند والصين وروسيا، وهي الفكرة التي مهّدت الطريق نحو تشكيل مجموعة دول البريكس.

ينبغي وضع “عقيدة كراكانوف” و”عقيدة بريماكوف” في إطار نظرية ” قلب العالم” التي طرحها عالم الجغرافيا البريطاني هالفورد ماكيندر. فقد كان أول من ربط بين المساحات الضخمة والموقع المكاني في جزء من قارة واحدة، وقد اعتبر في نظريته أنّ السيطرة على الجزء الداخلي من أكبر كتلة أرضية على وجه المعمورة، المكوّنة من أوروبا وآسيا وإفريقيا، تساوي السيطرة على العالم. وقد عبّر عن ذلك من خلال مقولته الشهيرة: إنّ من يحكم شرق أوروبا يحكم قلب العالم، ومن يتحكّم في قلب العالم يتحكم في الجزيرة العالمية، ومن يتحكم في الجزيرة العالمية يتحكم في العالم. وبالإضافة إلى مفهوم قلب العالم يمكن إضافة مفهوم الـ”ريملند” لأستاذ العلاقات الدولية الهولندي-الأمريكي نيقولا سبايكمان.  لقد رأى سبايكمان في “الهلال الهامشي” المتاخم لـ”قلب العالم” جنوباً مركز السياسة الدولية، وتضم هذه الجغرافيا كل من أوروبا المتوسطية والغربية والمشرق العربي والهند وجنوب شرق آسيا والصين. لقد كان هذا الطرح لسبايكمان نقداً لمفهوم “قلب العالم” لماكيندر باعتبار أنّ “قلب العالم” فقير وضعيف من حيث السكان والموارد الطبيعية والبشرية، بالإضافة إلى أنّه يتكون من مساحة شبه حبيسة. فعلى عكس “قلب العالم” يتكون “الهلال الهامشي” من مناطق حيوية على المستوى العمراني والموارد الطبيعية والبشرية والطرق البرية والبحرية، مما يجعل السيطرة على هذا الجزء من العالم أكثر أهمية للاستيلاءعلى السلطة العالمية.

إنّ إبرازالخلفية الجيو-السياسية لـ”عقيدة كراكانوف” و”عقيدة بريماكوف” يسهّل فهْم الطموح التاريخي للأمّة الروسية في الوصول إلى ما يسمى بـ”المياه الدافئة” المتمثّلة في البحر الأبيض المتوسط والساحل الجنوبي للقارة الآسيوية، حيث طمحت روسيا عبر التاريخ للوصول إلى هذه المناطق الحيوية وتركزت الكثير من صراعاتها مع القوى الغربية حول سعيها لتحقيق مثل هذا الطموح. فمثلاً ترجع جذور الحرب الروسية – العثمانية سنة 1856م، وسنة 1876م، إلى هذا الطموح الروسي الذي كانت الدول الغربية تصدّه بالوقوف مع الدولة العثمانية كحاجز جغرافي-سياسي في وجه التمدد الروسي. لقد اختارت الدول الغربية العظمى دائماً الوقوف مع العثمانيين في الماضي ومع تركيا الأطلسية في الحاضر وغيرها من الدول الآسيوية الأطلسية لمنع الدبّ الروسي من تثبيت أقدامه غرب آسيا، كونه من حيث طبيعته يعَدّ منافساً حقيقياً للنفوذ الغربي في تلك الجغرافيا الاستراتيجية.

لقد حدث أول تمدد لروسيا بعد انهيار الاتحاد السوفييتي بناءً على “مبدأ كراكانوف” سنة 1992م من خلال تدخل عسكري روسي في منطقة ترانسنيستريا بمولدافيا التي أعلنت انفصالها عن جمهورية مولدافيا بدعم روسي مباشر سنة 1992م. ثمّ لحقتها عملية انفصال أوستيتيا الجنوبية وأبخازيا عن جورجيا سنة2008م بنفس الطريقة. وكان آخر تطور في هذا السياق هو ضمّ شبه جزيرة القرم سنة 2014م للأراضي الروسية عبر استفتاء سبقه تدخل عسكري روسي كان ردّاً على انتفاضة ملوّنة دعمها الاتحاد الأوروبي في غرب أوكرانيا. وقد تمّ دمج “مبدأ كراكانوف” في وثيقة رسمية 2013م تحدد مبادئ السياسة الخارجية الروسية.

أما “مبدأ بريماكوف” الذي يرمي إلى عالم متعدد الأقطاب، فينضوي تحت المشروع الأوراسي الذي أصبح أكثر بروزاً مع وصول فلاديمير بوتين إلى سدّة الحكم. فقد أفسحت الأزمة السورية المجال أمام روسيا لنقل مبدأ التعددية القطبية إلى أرض الواقع في منطقة تعتبرها جزءاً من مجالها الحيوي، فالقاعدة البحرية الروسية في مدينة طرطوس، والتواجد العسكري الروسي في سورية عامةً، تمثل مكسباً استراتيجياً لعب دوراً هاماً في دعم سورية عسكرياً بشكل مباشر وغير مباشر ضدّ الجماعات الإسلاموية الإرهابية، بالإضافة الى أنّ تلك الجماعات تشكّل بدورها خطراً استراتيجياً على الأمن القومي الروسي بحكم مراهنة حلف شمال الأطلسي على الحركات الإسلاموية المتشددة في وسط آسيا لعرقلة المشروع الأوراسيوي. فالتدخل الروسي في سورية ينبغي أن يُفهم كذلك في سياق الحفاظ على أمن واستقرار المشروع الأوراسي الذي لا يزال في طور التكوين من جهة، كما أنّ التدخل  في سورية يوطّد التواجد الروسي في منطقة شرق المتوسط الاستراتيجية كونها من أهمّ عقد خطوط النقل الدولي من جهة أخرى، ناهيك عن استبطان تلك المنطقة لاحتياطات مهمة للنفط والغاز. وهذا ما يفسّر كذلك  تعزيز التواجد العسكري الروسي في الساحل السوري من خلال استعارة قاعدة حميميم الجوية قرب اللاذقية لكي تتمم دور قاعدة طرطوس البحرية.

كل ما سبق يتطلب بلورة رؤية عربية جديدة في قراءة الخارطة السياسية الإقليمية والدولية التي تتحول تركيبتها مع بزوغ الأقطاب الآسيوية بقوة في الساحة الدولية، وعلى رأسها الدور الروسي في بلاد الشام تحديداً. فالمطلوب هو تحديد موقف ومكانة الوطن العربي إزاء المشروع الأوراسي أولاً والتعددية القطبية ثانياً. فالمشروع “الشرق الأوسطي” الغربي الذي تزعّمته الولايات المتحدة خلال العقود الأخيرة أصبح في موقع تقهقر وانكماش، وبالتالي أصبح المجال الحيوي أكثر توازناً وأقل هيمنة بسبب التواجد الروسي الوازن في منطقة غرب آسيا كراعٍ جديد للاستقرار وحل النزاعات في المنطقة مستثمراً الإخفاق الذي سببته السياسة “الشرق الأوسطية” الغربية.

فمحادثات أستانا مثلاً بين الدولة السورية والجماعات المسلحة والدول الإقليمية المتورطة في الأزمة السورية، لها دلالتها بخصوص نجاح طموح المشروع الأوراسي لإدارة الصراعات الدولية في القارة الآسيوية عسكرياً وسياسياً بعيداً عن المؤسسات والمنتديات الدولية التي أنشأها الغرب في القرن العشرين. كما ينبغي الأخذ في الحسبان أنّ الأطراف الوازنة داخل المنظومة الأوراسيوية كالصين وروسيا تتخذ مواقف أكثر توازناً وحياداً إزاء المعادلة العربية -الصهيونية، وهو الأمر الذي قد يعيق المطامح التوسعية للكيان الصهيوني في المشرق العربي، ويفتح هامشاً للدول العربية لإعادة النظر في “المسار السلمي” و”حل الدولتين” وكل الأطروحات الغربية التي تبنّاها النظام العربي الرسمي إزاء القضية الفلسطينية في فترة الأحادية القطبية.

إنّ التعاون العسكري المباشر بين روسيا والجيش العربي السوري وحزب الله وإيران في الساحة السورية يكشف المقاربة البراغماتية لروسيا في التعامل مع دول ومنظمات عسكرية مناهضة للكيان الصهيوني كحزب الله خدمةً لمصالحها الإقليمية والقاريّة. إنّ ما تحتاجه الدول العربية وقوى الممانعة العربية هو تعريف مصلحتها في إطار عربي داخل هذا الفضاء الآسيوي والتوازنات الدولية الجديدة.  فالدول الإقليمية المركزية كإيران وتركيا تناوِر وتعزِّز مواقعها الإقليمية بناءاً على مصالحها القومية، بينما تبقى الدول العربية القادرة على تشكيل قطب عربي في حالة عُزلة كالجزائر أو مصر، أو منضوية تحت محاور إقليمية تقودها إيران كما في الحالة السورية والعراقية. وهذا الأمر بالذات يفرض على دولة عربية كمصر أن تصبح أكثر جرأةً كقوة عربية، وأن تستعيد تدريجياً نفوذها شرقاً وغرباً بقدر وتيرة انخفاض النفوذ الغربي، وهو الأمر الذي سيفرض عليها المنافسة والاصطدام مع الدول الإقليمية التي ملأت الفراغ الذي تركته في فترة ما بعد جمال عبد الناصر.

شذرات حول أسس العمل الثوري

عبدالناصر بدروشي

بعد مرور عقود على انقضاء فترة المدّ الثوري التي شهدتها خمسينيات وستينيات وسبعينيات القرن الفائت وأفول نجم القوى القومية واليسارية، وبعد انحدار المشهد العربي وسقوطه في وحْل التجزئة والاحتلال والتخلّف أكثر من أي وقت مضى، لا بد من تسليط الضوء على الأسباب الحقيقية التي أدّت إلى هذا التراجع وهذا الفراغ الكبير الذي فتح المجال أمام الإمبريالية لا لتسيطر على المشهد عبر أدواتها وأذنابها بكل أشكالهم وتلويناتهم فحسب، وإنّما لمنع أي محاولة من شأنها أن تتحولَ إلى رافعة لمشروع نهضوي تحرّري وحدوي عربي.

كما قيل “التاريخ مرآة الأمم، يعكس ماضيها ويترجم حاضرها وتستلهم من خلاله مستقبلها” لذلك انكبّ عدد كبير من الباحثين والمفكّرين العرب، على اختلاف خلفياتهم الإيديولوجية، على تحليل فترات الازدهار التي عرفتها حركات التحرر الوطني العربية وتجليات فترات المدّ الثوري التي أدت إلى تحرير عدد من الأقطار العربية والتي عرَفَت بداية إرساء مشاريع نهضة عربية والبحث في أسباب إخفاقات هذه المشاريع وانتكاسها.

بعيداً عن الغوص في تفاصيل المؤامرة التي تتعرض لها أمتنا وقوى الثورة، والتي هي حقيقة لا ينكرها إلا جاهلٌ أو متعمد، وليست مجرد وهم أو هوس، وبعيداً عن منطق تبرير الفشل وربطه أساساً بأسباب خارجة عن إرادتنا وعن سلطتنا والإلقاء بفشلنا على شماعة التدخل الأجنبي ومحاربة العدوّ لنا…

بعيداً عن كل هذا يمكننا القول بكل موضوعية وإنصاف أنّ السبب الرئيسي وراء إخفاق حركات التحرر الوطني وتراجع المدّ القومي واليساري يكمن بالأساس في صفوف قوى الثورة نفسها وليس خارجها،

وما انتصارات القوى المعادية علينا إلا بسبب حسْن اقتناصها للفرص وملئها لفراغٍ تركناه نحن، فحريٌّ بنا إنْ كنّا نرغب في تغيير الواقع تغييراً جذرياً أن نفهمَ الأسباب الذاتية لانتكاستنا كأمّة، وأن نستفيد من أخطاء الماضي لنؤسّسَ لعمل ثوري يحمل أمتنا نحو تحقيق أهدافها المتمثّلة في الوحدة والتحرير والنهضة، وأن يكون ذلك على أسسٍ علمية.

بعد تدمير العراق وليبيا، وبعد خروج مصر من دائرة الصراع العربي الصهيوني، وتمييع الثورة الفلسطينية وإطفاء جذوة الانتفاضة، وبعد تحوّل التيارات القومية على امتداد الوطن العربي إلى أحزاب وتنظيمات قُطرية المضمون والممارسة، حريٌّ بنا أن نحدّدَ الأسباب الرئيسية لتردّي المشهد العربي.

إنّ ما تحتويه هذه المقالة هو مجرد ملامسة لعناصر الموضوع الذي سيكون محلّ بحث شامل ومعمق في المستقبل القريب إن شاء الله،

يمكننا القول أنّ ركائز العمل الثوري ثلاث:

* الإيديولوجيا

* البرنامج

* التنظيم

إنّ العلاقة بين كل من الإيديولوجيا والبرنامج والتنظيم علاقة جدلية ويكمّل كل منهما الآخر، فالإيديولوجيا هي المحدِّد الذي يؤسس الخط الثوري وهي العقيدة والمرجعية التي يُحتَكم لها، بينما يحلّ التنظيم محلّ الجسد والعضلات التي تعمل على إنجاز البرنامج والمهام وتحقيق الأهداف المنبثقة عن الإيديولوجيا.

بعد عملية استقراءٍ لتاريخ حركات التحرر الوطني يمكننا القول إن التجارب القومية خلال القرن العشرين والقرن الواحد والعشرين كانت تعني خللاً على كل المستويات، بمستويات متفاوتة.

ومع كل الاحترام لتجارب رائدة أغنت تاريخنا العربي وقامت بمهمات عظيمة وحققت انتصارات كبيرة إلّا أنّ هذا لا يبقيها خارج دائرة النقد البنّاء.

الإيديولوجيا: “جبهة التحرير الوطني” نموذجاً

تُعتبر تجربة جبهة التحرير الوطني في الجزائر واحدة من أهم التجارب الثورية التي شهدها التاريخ الحديث، ومصدر فخر واعتزاز لكل عربي من المحيط إلى الخليج، حيث تمكّن شعبنا العربي في الجزائر بأدوات بسيطة من قهر واحدة من أعتى قوى الاستعمار في العالم.

كانت تجربة جبهة التحرير رائدة على مستوى التنظيم والتخطيط، حيث تمكّنت من بناء نفسها في ظروف استثنائية وأتقنت العمل السري من دون أن يؤثر ذلك في فعاليتها وأدائها وتمكنت من بناء تنظيم حديدي عمل بكفاءة على كافة المستويات السياسي والعسكري والاجتماعي… وتمكّنت من تحرير الدولة وإدارتها قبل وبعد مرحلة الاستقلال، إلا أنّ الخلل الكبير الذي وقعت فيه جبهة التحرير هو أنها لم تنطلق من أيديولوجية قومية متماسكة، بل انطلقت من برنامج يهدف إلى تحرير الجزائر من الاحتلال الفرنسي، وحتى خلال مسيرتها لم تتمكن من تطوير نفسها، ومن أن تتحول من حركة تحرر “جزائرية” الى حركة تحرر قومي.

وفعلاً كان لها ما أرادت، وقامت بطرد الاحتلال الفرنسي مسطّرة بذلك ملحمةً من أعظم الملاحم البطولية التي شهدها تاريخ حركات التحرر في العالم وليس في وطننا العربي فحسب، وبقيَ السؤال مطروحاً على جبهة التحرير: ماذا بعد؟؟

وكما قيل فإنّ الأهداف تموت فور تحقّقها، وجبهة التحرير بعد أن حقّقت أهدافها لم تتمكن حتى هذه اللحظة من تجديد أهدافها، فالجزائر اليوم محررة من الاحتلال العسكري الفرنسي… غير أنها متقوقعة على ذاتها محتجزة داخل قفص سايكس-بيكو، محاصرة من قبل القوى الإمبريالية ومهدَّدة من قبل الجماعات المثيرة للنزعات الانفصالية في الداخل والتي هي بمثابة حصان طروادة.  وفي القضايا الإقليمية بقيت حريصة على إصدار مواقف حيادية أحياناً وإيجابية أحياناً أخرى ولكن باحتشام كبير من دون أدنى تدخّل يليق بحجمها وموقعها الجغرافي وثقلها السياسي…

وفي نطاق تجديد الأهداف وإعطاء مبررٍ لاستمرار جبهة التحرير الوطني كان بإمكان الجزائر، لو كانت جبهة التحرير تتبنّى إيديولوجيا قومية، أن تستثمرَ انتصارها في معركة التحرير العظمى لتكون منطَلقاً إلى لعب دور كبير ومركزي في معركة تحرير فلسطين وباقي الوطن العربي باحتضان المقاومة العربية، ونحن هنا لا ننكر الدعم الذي قدمته الجزائر للمقاومة الفلسطينية ومساهماتها الكبيرة في معارك الأمة العربية، ولكن ما نطمح له هو دور أكبر من ذلك بكثير باعتبار وزن جبهة التحرير كمدرسة رائدة في تاريخ النضال العربي وتاريخ حركات التحرر في العالم.  والعبرة أن محاصرة تجربة التحرير ضمن حدود التجزئة يهدد تلك التجربة بما أن التنمية الحقيقية والأمن القومي والديموقراطية غير ممكنة من دون فضاء وحدوي، مما يهدد بعودة الاستعمار من نافذة التبعية.

التنظيم: مصر “عبد الناصر” نموذجاً

من تجربة جبهة التحرير الجزائرية الى التجربة الناصرية العظيمة، كصفحة من أنصع صفحات التاريخ القومي لأمّتنا في القرن العشرين وكأيقونة من أيقونات حركات التحرر الوطني، وهي ليست بحاجة إلى شهادة من أحد للحديث عن أثرها الإيجابي الكبير على امتداد وطننا العربي، والتي حوّلت مصر من مجرّد مقاطعة خاضعة للنفوذ البريطاني إلى دولة ذات وزْن وشأن، ليس على المستوى العربي والإقليمي فحسب، وإنما على مستوى العالم، ويُحسَب لها أن قارعت الإمبريالية وسجّلت انتصارات كبيرة مثل تأميم قناة السويس ودعم القطاع العام والتصنيع ودعم الثورة الفلسطينية والثورة الجزائرية ….

إلا أنّ نقطة قوة هذه التجربة كانت هي نفسها نقطة ضعفها، ألا وهي شخص عبد الناصر، والذي كان هَرَماً رابعاً بكل ما تحمل الكلمة من معنى…

عبد الناصر اجترَحَ الحلّ القومي من الواقع، وكان شخصية عبقرية تمكّنت من اكتشاف القوانين التي تحكم حركة الواقع من خلال التجربة، فهو لم يكن شخصاً جامداً متحجراً بل كان مرناً يتعلم من أخطائه، ويعدّل من خططه، وقد توصل عبر تجربته نفسها لقدر مصر الجغرافي-السياسي فامتلك الإيديولوجيا القومية  وتمكّن من وضع برنامجه الذي كان يعدّله باستمرار وفق متطلبات الواقع ووفق إدراكه الذي كان يتطور بسرعة والذي أوصله لتبنّي رؤية وعقيدة قومية صافية نقية، إلّا أنه لم يتمكن من بناء تنظيم يحمل الإرث العظيم الذي خلّفَه، ولم يتمكّن من تأسيس تنظيم ثوري يشكّل رافعة للعمل القومي بغض النظر عن الأشخاص، فبغياب التنظيم غابَ المشروع بمجرد أن غُيّب عبد الناصر، وانتقلت مصر من حقبة ناصرية مشرقة إلى حقبة ساداتية متصهينة مظلمة.

وكما كتب أساتذة النضال السياسي “إن مفهوم الحرب الطويلة الأمد هو أحد المفاهيم الأساسية، التي تعتمد عليها النظرية الثورية، حيث أنه الأسلوب الذي أثبت فعاليته لتحقيق أهداف الجماهير، التي تعاني من الاحتلال والاستغلال”. ودخول حرب طويلة الأمد بدون إعداد تنظيم وكوادر وبدائل قادرة على إدارة المرحلة، هو خطأ جسيم كفيل بقَبْر تجربة وجهود عقود وتضحيات أجيال…

البرنامج: “البعث العربي الاشتراكي” نموذجاً

إنّ امتلاك التنظيم بالإضافة إلى الإيديولوجيا لا يعني بالضرورة نجاح التنظيم الثوري في تحقيق أهدافه حيث أنّ همزة الوصل بين التنظيم وبين الإيديولوجيا هي “البرنامج”، ففي حال غاب البرنامج أو كان متناقضاً مع الإيديولوجيا يصبح التنظيم معوِّقاً يعاني من حالة فصام وصراع بين أهدافه وما هو عليه.

وبعيداً عن الصراع المرير الذي سادَ لعقود بين جناحي حزب البعث في كل من سورية والعراق، إلّا أنّ البعث العربي الاشتراكي ترَكَ رصيداً كبيراً وإرْثاً عظيماً في التراث الفكري القومي، وقوافل الشهداء الذين قدّمهم في سبيل تحرير أمّتنا أكبر من أن تذكرها وتوفيها حقّها أسطر أو مقالات.

ويُحسَب للبعث بالإضافة إلى تأسيس الأسس النظرية للفكر القومي أنه على المستوى التنظيمي فاقَ العديد من التجارب القومية وتمكّن من تأسيس تنظيم مرصوص البنيان، وتمكّن من الامتداد خارج حدود سايكس-بيكو وافتتحَ فروعاً من مراكش إلى تونس مروراً بمصر والخليج العربي، محققاً ما لم يحققه غيره من المدارس القومية في ذلك الزمان.

إلّا أنّ هذه التنظيمات تحوّلت مع مرور الزمن إلى تنظيمات قومية العنوان قُطرية المضمون والممارسة، لا تمتلك أي برنامج عمل قومي.  وأصبحَ البعثي العراقي يحمل وعياً قطرياً عراقياً ولو كان مواطناً عربياً من الصومال، وتحوّل البعثيّ السوريّ إلى صاحب وعي قطري سوري ولو كان مواطناً عربياً من تونس، وأصبحَ الولاء للزعيم هو عنوان الولاء للقومية وللثورة، في هذا النوع من التنظيمات أصبحَ المشروع يُعرَف بالأشخاص ولا يُعرَف الأشخاص بولائهم للمشروع حتى أدّى الأمر إلى شطحات تنتهك الثوابت وتسيء إلى إرْث عظيم كإرْث البعث العربي الاشتراكي.

فعندما يكون الولاء للزعيم، وفي ظلّ غياب برنامج عمل قومي نجد البعث العراقي يرتمي في أحضان الرجعية العربية في سبيل الثأر لشهيد الأمة، وصارت معاداة أعداء الرئيس الشهيد صدام حسين واجبة ولو كان ذلك ضدّ مصلحة الأمة ولو وقفنا مع أعداء الأمة.

وربما سبب المبالغة في الشخْصنة والرمزية أيام حكم الزعماء العرب التقدميين كان التحديات والضغوطات الأمنية المسلّطة على الأنظمة من قبل الاستعمار وذلك إلى جانب تأثير العناصر الانتهازية التي تكرّس الولاء للأشخاص للتنصّل من مسؤولية المحاسبة على الأداء العملي.

وبدل العمل على تصدير الثورة غاصت القيادة في الحفاظ على المكاسب التي تمّ إنجازها داخل القُطر في وجه المخاطر الخارجية المحدقة به، الشيء الذي خَلَق لديها لاوعياً قُطرياً وممارسةً قطريةً بدون أفق قومي انعَكَسَ على أدائها وبالتالي على المضمون.

بالإضافة إلى ما تقدم فإنّ الأنظمة القومية وقَع استنزافها وتمت تهرئتها بخوضها معارك قومية كبرى بطاقات وإمكانات قُطرية محدودة، معارك لا قبل لها بها في حال لم تفعِّل مخزونها القومي الاستراتيجي سواء على المستوى البشري أو المادي، الشيء الذي أدّى إلى هزائم وانكسارات وإحساسٍ بالعجز والخذلان ولّد انعزالاً وهروباً من الواقع (الحالة الليبية نموذجاً).

نجد في المثال الليبي أنّ الشهيد معمر القذافي أو العاشق المغدور كما سمّاه أحد المفكرين، بعد أن اصطدم بالقوانين التي تحكم حركة الواقع انحَسَرَ ونفَضَ يده من “العرب” بعد أن خذلوه وولّى وجهه قِبل القارة السمراء ومن ثمّ إلى النظرية العالمية الثالثة بعد أن كان قومياً ناصرياً في بداياته.

خلاصة:

ما تقدّم لا يمكن أن يعتبرُ مقالة متماسكة أتت على جوانب مسألة أسس العمل القومي، بل هي شذرات ودعوة للتأمل في تاريخ حركاتنا القومية وموضوع بحث معمّق ودراسة شاملة لتاريخ العمل القومي يمكن أن يؤسس لخارطة طريق تقودنا إلى بناء تنظيم ثوري قومي صلب يتّخذ من القومية العربية منطلقاً ومن أهداف العمل القومي نبراساً ويعمل وفق برنامج عمل قومي جذري قحّ يتّسم بالمرونة ويتناسب مع طبيعة اللحظة التاريخية.

إنّ التجربة التي ستخلّص أمتنا من وحل التجزئة والاحتلال والتخلف يجب أن تكون عميقة ووازنة وفاعلة في أبعادها الثلاثة الإيديولوجي والتنظيمي وعلى مستوى البرنامج، وأي خلل ذو قيمة في أي من هذه الأبعاد  سيؤدي حتماً إلى الفشل.

كتاب جديد للائحة القومي العربي:

قراءة في كتاب نقد الرِدّة عن المشروع القومي

معاوية موسى

من جديد تعود لائحة القومي العربي، وعبر نخبة من كتّاب مجلة طلقة تنويرالصادرة عنها، لتقدّم منْجزاً جديداً في مجال البحوث والنشر والأدبيات، في عملٍ يمثّل باكورة إنتاجها، وهو الكتاب الموسوم “نقد الردّة عن المشروع القومي – مقاربة جذرية للوحدة والعروبة والنهضة”.

الإضافة الجديدة في الإصدار الجديد، تتميز بأنها قدّمت للقارىء العربي مادة فكرية معاصرة بأسلوبٍ مختلفٍ ومغايرٍ في بُنْيته النظرية عما كُتب سابقاً في مجال الفكر القومي العربي، عن مشروعٍ نظري وتنظيري متجانس، وضعته ثلّةٌ من الكتّاب يحمل أغلبهم فكراً وهويةً واحدة وموحّدة، قومية في أساسها، يؤمنون بمشروع الوحدة العربية على أساسٍ قومي عربي جذري صلب، يمتلك مقوّمات نظرية وعملية معاً، يتجسّد ويرتبط بموقف سياسي وواقعي، من رحم معاناة الأمة وواقعها، مشروعٌ انطلَقَ وارتَبَط في الأصل من الممارسة العملية للعمل السياسي والقومي، وليس بالنظرية فحسب.

نقد الردّة عن المشروع القومي، يعيد تأطير الفكر القومي في قالب جديد، ينكر حالة الخذلان والنكوص عن المشروع العربي، وينتقل بنا إلى حيز تثبيت الوجود والدفاع عن الهوية الحضارية للعرب، ورفض حصر المشروع العربي في “الحلم العربي” وبين صفحات الكتب، والانتقال إلى حتمية إنجازه وتحقيقه، انطلاقاً من إيمان عميق بضرورة الوحدة والتحرير والنهضة أولاً، والاعتراف بآثار التجزئة العربية وما نتج عنها كأساس لفهم المشهد العربي ثانياً، ففي فصوله المختلفة، وعددها تسعة، يطرح الكتاب قضايا ومحاور متعددة، تتناول عدة قضايا عربية، بدَأها بتناول قضية الوحدة، “القضية العربية المركزية للأمة” ومآلاتها وشرط تحقيقها والبناء عليه، لتطرحَ سؤال: هل ما تزال الوحدة العربية حلاً ممكنناً وراهِناً ؟ وغيرها من الأسئلة، وصولاً إلى الفصل الأول الذي يستمر في معالجة موضوعة الوحدة والنهج الوحدوي، بناءً على الثوابت الأساسية والرئيسة التي أكّدت عليها لائحة القومي العربي، وتؤكّد عليها أيضاً وحدة المنهج والتوجّه في غالبية ومجمل مواد الكتاب.

ولعلّ التركيز على موضوعة الوحدة كمقدمة يأتي من أهميتها في إثبات فشل الدول القطرية وضعفها في تأمين أمْنها القومي والاقتصادي، والعجز عن حلّ مشاكل مواطنيها في المأكل والمسكن والتعليم، وقضايا الأمية والبطالة، لإثبات أنّ كل الأمم التي نجحت في توحيد نفسها تحت راية الدولة القومية الواحدة، أنجَزَت مشروعها وحلّت مشاكلها وتجاوزت تناقضاتها، مما يبعث في النفس أسى وجرحاً عميقاً لا يمكن أن يتصوره قلبٌ سليم، خاصة أننا بتْنا في أمَسّ الحاجة، والآن، لمشروع عربي يوحّد الأمة ويلمّ شملها ويحصّنها من التدخّلات الخارجية، ويقف في وجه العدو الجديد الذي يهدّد استقرارها ويهدم مُنْجزها الحضاري، وهو المشروع الأسود لقوى التكفير الظلامي.

ولقد تناول الكتاب أيضاً الدروسَ والتجاربَ الوحدوية العربية والأوروبية والآسيوية، لا سيّما المقولة الوحدوية عند المفكر العربي الراحل ناجي علوش، والطرح الوحدوي في التجربة الناصرية، ليؤكدَ مجدداً أنّ مشروع اللائحة لم يُدِرْ ظهره مطْلقاً للإرث القومي العربي، بل على العكس من ذلك، فهو يحاول تبنّي منجزات ذلك الإرث ودراسة إيجابياته والبناء عليها، وتجنّب سلبياته والاستفادة من دروسها.

وصولاً إلى قراءة في الموقف الماركسي من القومية والأمة، وقراءة أخرى مماثلة لمفهوم الدولة العربية والدولة القطرية، وإفراد مساحة أخرى للحديث عن عروبة البربر والأمازيغ وعن تاريخية الانتماء العروبي في المغرب العربي.

لقد ناقَشَ الكتاب الذي شارك في إعداده وتحرير نصوصه عدّة محررين ومصممين قبيل إطلاقه، محاور أخرى مهمّة وغير مطروقة استطاعت أن تشكّل إضافة حقيقية ومتميزة للقارىء العربي، وتؤسّس في الوقت نفسه لرؤية قومية جذرية لقضايا معاصرة، نذكر منها مسألة الحداثة واتّصالها بالنهضة العربية، ومفهومها بين النهضة والاستلاب، ومستقبل اللغة العربية، والتأكيد على الهوية الحضارية العربية الإسلامية للوطن العربي، عبر محور أساسي تناوَلَ العروبة والإسلام، ضمن فهم عروبي متنور للإسلام، والتأكيد على عروبة مسيحيي المشرق وإسهاماتهم في الفكر القومي العربي. وهنالك ملحق خاص بمقتطفات عن اللغة والفكر من منظور ماركسي، واللغة والقومية من منظور قومي، واللغة العربية والعروبة والإسلام من منظور علماء العرب في العصر العباسي.

هي تبقى محاولة القراءة في كتابٍ ليست بديلاً عنه، إنّما هي محاولة للتعريف به فحسب، ومحاولة تقديم ملخّص وتبسيط لمحتواه ومضمونه، والوقوف على أهمّ قضاياه وتعريفاته وأبرز عناوينه.  وهذا الكتاب الذي شكّلت مجلة “طلقة تنوير” أساساً لانطلاقه، لا شكّ أنّه سيترك أثراً كبيراً في الفكر القومي العربي، وسيشكّل علامة فارقة ومضيئة للجيل العربي الحالي والقادم، خصوصاً أنّه جزء من مشروع متكامل وشامل ستتوالى إصدارات أخرى منه لاحقاً، كما جاء في تعريف هذا الكتاب الذي يمثّل تتمة فكرية ونظرية لأدبيات لائحة القومي العربي ابتدأت بكتاب “مشروعنا: نحو حركة جديدة للنهوض القومي” و”أسس الفكر القومي العربي” و”أسس العروبة القديمة”، وكتب أخرى عديدة.

مراجعة كتاب:

قراءة سريعة لكتاب الاختراق الصهيوني للعراق

علي بابل

“بالرغم من مرور عامين تقريباً على غزو العراق وتدميره من قِبَل الولايات المتحدة الأمريكية لم يقُم العرب بدورهم الحقيقي في الدفاع عن العراق من كافة النواحي”… هذا ما قاله د. خالد الناشف عند صدور كتابه عن اتحاد الكتاب العرب في دمشق في العام 2005.  لم يرَ الدكتور خالد الناشف كما غيره من الباحثين العرب أن هناك من يتصدى جدياً للتزوير الذي تقوم به وسائل الإعلام الغربية والصهيونية لصورة العرب بشكل عام وصورة الأحداث في العراق بشكل خاص، فقد كان العراق تحت رحمة الاحتلال الإمبريالي، وكان “الاختراق الصهيوني للعراق” أول كتاب يتصدى منهجياً لموضوعه.

يفصّل الدكتور خالد الناشف -رحمه الله- الدور الصهيوني في الحرب على العراق من خلال سرد روايات الجنود اليهود في الجيش الأمريكي، الذين تواجدوا في العراق أثناء الغزو وبعد الاحتلال، بكثير من التفصيل مستنداً إلى مصادر ومراجع غربية معادية للعرب والعراق ومتصهينة في أغلب الأحيان. ويذكر الكاتب الدور الذي قامت به الجمعيات واللوبيات الصهيونية في العراق وكيفية عملهم داخل معسكرات الجيش الأمريكي، ومن هذه الجمعيات الصهيونية التي عملت في العراق “أيباك”“American Israel Public Affairs Committee”، ومنظمة النساء الصهيونيات “Women’s Zionist Organization of America”، ومؤسسة الشرق الأوسط للإعلام والأبحاث “Middle East Media and Research Institute”، ومجلس رجال الدين اليهود “Jewish Chaplains Council”، وهنا يظهر اسم المرشحة السابقة للانتخابات الأمريكية “هيلاري كلينتون” كأحد أهم الداعمين لليهود والصهاينة في الجيش الأمريكي أثناء غزو العراق من خلال موقعها آنذاك كنائبة في مجلس الشيوخ الأمريكي.

جاء الكتاب في سبعة فصول تتحدث عن دور الجنود اليهود في الحرب على العراق، وكيفية الاحتفال بالأعياد اليهودية وتأمين الطعام “الكوشر” (الحلال اليهودي) لهم ولفائف التوراة وما إلى ذلك من مستلزمات دينية، ودور الإعلام الصهيوني في الحرب على العراق والترويج لها، كما سلط الضوء في  الفصل الثالث على الدور الصهيوني بعد الاحتلال بحجة تفقد أوضاع الجالية اليهودية في العراق! وفي الفصول الباقية تحدّث الكاتب عن دور الصهيونية العالمية وتجنيدها للمعارضة العراقية في الخارج، وعَمَلْ الموساد في شمال العراق مع الأكراد واستغلال بعض العائلات الكردية للعمل في العراق لصالح “إسرائيل”. وإلى ذلك، يبين الدور الصهيوني في السوق العراقية بعد الاحتلال والفوائد التي حصل عليها. وفي الفصل الأخير يشير الكاتب إلى التزوير الذي أحدثه الصهاينة للتراث والتاريخ العراقييْن ونسبتهما لليهودية، ويقارب بين ذلك وبين الممارسات الصهيونية في فلسطين في القرن التاسع عشر.

يبدأ الكتاب بعنوان “جنود أمريكيون يهود في العراق”، ويشير إلى أن اليهودي، كما يرى الكيان الصهيوني،  هو “إسرائيلي” عند الولادة بغض النظر أين وُلِد. ويسرد هذا الفصل كيفية تأمين الحاجات اللازمة لإقامة الأعياد اليهودية داخل المعسكرات والجهات الممولة لها وكيفية تأمين تلك الحاجات من الولايات المتحدة وليس فقط في المعسكرات التي في العراق بل في كل من قَطَروأفغانستان والكويت.  ويسرد الكاتب، تحت عنوان “أيام عصيبة”، شعور أهالي هؤلاء الجنود وفخرهم بمشاركة أبنائهم بالعدوان على العراق وأنّ هؤلاء الجنود يحملون التوراة أينما ذهبوا “لنشر العدل” و”تحرير الشعوب المظلومة”!

وتحت عنوان “وثنية” يذكر الكاتب رواية حاخام يهودي أسمه “أكرسون” عندما كان في جنوب العراق ووصفه للزاقورة العظيمة التي تطلّ على كل المنطقة وكيف أنه ربط بينها وبين النبي إبراهيم وقصة خروجه المزعومة في التوراة من نينوى. وبجانب الزاقورة نصَبَ الجنود اليهود خيمةً للاحتفال بعيد الفصح اليهودي. وتحت عنوان “حيرة بين بزتين” ملأت الحيرة عقل “إفنين” الجندي الأمريكي اليهودي القادم من ولاية (فيرمونت) الأمريكية: أي بزة عسكرية يرتدي، بزة الجيش الأمريكي أم الجيش الصهيوني؟ وفي النهاية وجد أن لا فرق بين البزتين، خصوصاً بعد أن التقى جنوداً صهاينة، وهنا يتساءل الكاتب: أين التقى أولئك الجنود يا ترى؟!  وبالرغم من اختيار”إفنين” للبزة الأمريكية إلا أنه في النهاية لقيَ حتفه في مدينة الكوت العراقية بعد تبادل لإطلاق النار مع المقاومة العراقية.

تحت عنوان “السبت (الشابات) في بابل” يروي الحاخام “أفروهام هوروفيتس” زيارته لبابل لأول مرة ليُجري احتفالات “الشابات” مع الجنود اليهود، وهنا يذكر الكاتب أن هذا الحاخام مع آخرين من أمثاله قاموا بزيارة ضريح النبي ذي الكفل في منطقة “الكفل” في مدينة الحلة الذي وصفه الحاخام على أنه كنيس يهودي قديم وبأنّ السوق اليهودي كانت موجودةً هناك قبل 50 عاماً من الآن. ويكمل الكاتب رواية الحاخام عن محادثات دارت بينه وبين رجل دين مسلم مسؤول عن الضريح تعرّف من خلالها الحاخام على النبي ذي الكفل عند المسلمين. كما أن الحاخام قال للجنود اليهود بأنّ لهم الحق بارتداء القلنسوة اليهودية، ويختم الكاتب هذا الفصل بالجملة التالية: (وهكذا امتدت استباحة العراق لتشمل رموزاً دينية كالقلنسوة).

يذكر الكاتب العمليات الصهيونية المنظّمة داخل العراق لإخراج اليهود العراقيين إلى خارج العراق وعددهم 35 فرداً فقط جميعهم من كبار السن. وذكر العمليات التي قام بها الموساد الصهيوني مثلاً في  العام 1950، وعن تورّط المخابرات البريطانية في تفجيرات عام 1941 ضدّ يهود العراق بالتعاون مع الصهيونية لتهجير يهود العراق.

وتحت عنوان “التراث اليهودي العراقي” ذكر الكاتب السرقات التي تعرض لها التراث العراقي على يد الجيش الأمريكي والموساد الصهيوني من خلال سرقة نسخ توراة قديمة ومحاولات العثور على أقدم نص توراتي يعود للقرن السابع الميلادي والتي باءت بالفشل في النهاية.

يعتَبر الكتاب مصدراًهامّاً للمعلومات الموثّقة عن الدور الصهيوني في الحرب على العراق من مصادر غربية معادية للعرب، ولا يمكن الادّعاء بالتالي أنها متحيزة للخطاب المقاوِم، وقد جمع فيه الكاتب الكثير من المعلومات الموثّقة من مصادر مختلفة وكثيرة، فقد ذكر أنّ من الأسباب التي دعت الصهاينة للمشاركة في غزو العراق هو العداء للقومية العربية “النازية” و”الفاشية” وإخراج العراق من معادلة الصراع العربي-الصهيوني. وبالرغم من ذلك يذكر الكاتب، بحسب الجنود اليهود الذين شاركوا في الحرب على العراق،  رواياتهم حول رفض سواد الشعب العراقي التحدُّث معهم لأنهم يهود مثلاً واتهام الشعب العراقي للصهيونية بأنها السبب وراء الحرب على العراق، ويذكر تحت أحد عناوين الكتاب خطبة شيخ مسجد في يوم الجمعة وقوله بأننا لا نريد لنكبة فلسطين أن تتكرر في العراق، فلا أحد يبيع أرضه أو بيته لأنها أرض عربية عراقية وستبقى.

الأستاذ الدكتور خالد الناشف -رحمه الله- حاصلٌ على شهادة الدكتوراة من جامعة فيينا في حضارة وادي الرافدين واللغتين الأكدية والسومرية، ولَهُ العديد من البحوث والدراسات حول شمال سورية وفلسطين. وهو صاحب كتاب “تدمير التراث الحضاري العراقي: فصول الكارثة” عن سرقة الآثارالعراقية الذي ذكر فيما ذكره فيه قصص تدمير المتاحف العراقية وسرقة محتوياتها الثمينة وسرقة المكتبات العراقية وتدميرها الممنهج أثناء غزو العراق واحتلاله.

الصفحة الثقافية:

(عمر) الفلسطيني …فيلم عن الداخل موجّه للخارج

طالب جميل

لا تزال الأفلام الفلسطينية تحمل معها الكثير من الجدل والنقاش أينما حلّت، ولم يعد يقتصر هذا الجدل على مصادر تمويلها فقط، بل أن المواضيع التي تتناولها تلك الأفلام وطريقة طرحها ونوعية الخطاب المقدَّم من خلالها أصبحت أيضاً تثير كثيراً من التساؤلات.

غالباً ما تقع تلك الأفلام في فخّ التمويل الأجنبي مما يؤثر بالضرورة على شكل وصورة الأفكار المطروحة فيها، خصوصاً إذا ما كانت تتعلق بموضوع الاحتلال الصهيوني لفلسطين، ويصبح الاهتمام بصناعة فيلم يخاطب الغرب بالخطاب “السلمي الإنساني” هو همّ صانعيه وذلك على حساب الواقع والحق العربي الفلسطيني الذي لا يقبل المساومة.

الفيلم الفلسطيني (عمر) الذي سبق وأن رُشِّح لجائزة الأوسكار، وعُرضَ في مهرجان (كان) السينمائي لم يمرّ من دون أن يترك جدلاً واسعاً نظراً لخصوصية القضية التي تناولها الفيلم، وهي قضية العملاء أو المتعاونين مع المخابرات الصهيونية من الشباب الفلسطيني، وقد استطاع مخرجه (هاني أبو أسعد) – وهو كاتب سيناريو الفيلم أيضاً- أن يقدم فيلماً مليئاً بإلإثارة رغم بساطة القصة وحساسية الموضوع داخل المجتمع الفلسطيني.

وقصة الفيلم هي قصة ثلاثة شبان فلسطينيين (عمر، أمجد، طارق) يقومون بتنفيذ عمليات فدائية ضدّ جنود الاحتلال الصهيوني إلى أن يقع أحدهم (عمر) في فخ الاعتقال، ثم يبدأ التحقيق معه واستخدام أبشع أنواع التعذيب لإجباره على الاعتراف وتسليم رفيقه الذي قام بقنْص الجندي، ويتم إغراؤه من قبل المحقق الصهيوني (الذي يتكلم اللهجة الفلسطينية بطلاقة) بالتعاون وتسليم رفيقه المطلوب، ويتمّ منْحه مهلة شهر للقيام بذلك، خاصة بعد أن كشف له المحقق معرفته بقصة حبه لـ(نادية) وهي أخت رفيقه المطلوب وبالتالي التمهيد لابتزازه من هذا الباب.

يلتقي الرفاق الثلاثة من جديد لتبدأ الشكوك بالدوران حول السبب الذي من أجله تم إطلاق سراح (عمر)، حتى حبيبته (نادية) بدأت بالتهرب منه بعد أن سمعت أنه ربما يكون عميلاً، فيما يحاول هو إقناعها بأنّ الأيام ستثبت عكس ذلك، ويبدأ بالتعرض لحملة انتقادات ونفور من محيطه الاجتماعي حيث يشعر بالرفض وعدم القبول.

يعتقد (عمر) أنه استطاع الإفلات من قبضة الصهاينة إلى أن يتم اقتحام بيته ومطاردته مرة أخرى واعتقاله من جديد، وهذه المرة يتعرّض للضرب من بعض المساجين بعد أن عرفوا أنه عميل للاحتلال، ويحاول المحقق ابتزازه من جديد بقصة (نادية) ويطلب من المحقق فرصة أخرى لتزويدهم بالمعلومات المطلوبة حيث يتم إطلاق سراحه مقابل التعهُّد بتسليم رأس رفيقه (طارق) لهم، بعد أن تم تزويده بجهاز للتجسس وُضِعَ في قدمه.

يصبح (عمر) غير مقبول أمام الناس بشكل أكبر بعد أن أصبح الجميع على قناعة بأنه عميل خصوصاً (نادية)، وهنا يقع في فخ المعلومات المضلِلة التي قدمها له المحقق، فيهاجم رفيقه (أمجد) الذي اعتقد أنّه كان على علاقة مع (نادية)، إلا أنّ (أمجد) يفاجئه بأن (نادية) حامل منه وبأن المخابرات الصهيونية على علم بذلك وهددوه بكشف الموضوع وبالتالي فإنَّ (أمجد) أيضاً وقع في فخّ العمالة.

يتلقي الرفاق الثلاثة ويحدث اشتباك بينهم في ضوء المعلومات الجديدة التي وصلت لـ (طارق) والذي يصاب برصاصة تؤدي لمقتله نتيجة الاشتباك الذي يتبين لاحقاً أنه كان برعاية المخابرات الصهيونية للإيقاع بـ(طارق)، حيث يشكر المحقق الصهيوني (عمر) و(أمجد) لتعاونهما.

يحاول المحقق ابتزاز (عمر) من جديد لتقديم معلومات حول قائد أحد الفصائل المقاومة ويهدده بكشف كافة التفاصيل المتعلقة بتورطه بالتعاون معهم، حيث يشعر (عمر) أنه وصل لمرحلة اللاعودة وبأنه خسر كل شيء فيطلب من المحقق تزويده بمسدس، ويتم تلبية مطلبه فيلتقيان ويطلب من المحقق أن يدربه على استخدام المسدس، فيوجّه المسدس إلى المحقق ويقتله في مشهد رمزي ينتهي به الفيلم.

يبدو أن مخرج الفيلم أراد أن يلعب في المنطقة الرمادية فحاول تقديم خطاب موجّه للغرب لكن بذكاء من خلال تقديمه لعمل بقالب يمتاز بشكل فني وطريقة مألوفة في البناء والسرد الدرامي عدا عن الطابع البوليسي الذي سيطر على أغلب مشاهد الفيلم مع الحفاظ على الخط العاطفي وعلاقة الحب وهي خلطة هوليودية بامتياز، وبالتالي تحوّل الفيلم إلى وجبة سينمائية مصنوعة بطريقة تلفت اهتمام الغرب بالدرجة الأولى، وحاول أن يقدم مبررات للطرف الصهيوني بشكل أو بآخر تحت ذرائع معينة تبدو مفهومة للغرب أكثر، عدا عن التشويه الذي يبدو (غير مقصود) لصورة المقاومين وسهولة استدراجهم لفخ العمالة وتصويرهم بأنهم فريسة سهلة للتعاون والتخابر في سبيل الحفاظ على علاقة حب، وتوريطهم في قضايا أخلاقية لها أبعاد مجتمعية تؤثر على صورتهم كمقاومين، وهنا أصبح الفيلم وكأنه يروّج لظاهرة العمالة ويقدّم صورة سلبية عن المقاومين ويصورهم بأنهم يعملون بشكل عشوائي بدائي وفردي وليس ضمن جماعات منظمة، ويظهِرهم بمظهرٍ متدني الأخلاق.

ركّز الفيلم أيضاً على بعض القضايا التي يعاني منها الفلسطينيون خصوصاً قضية الجدار العازل والسلوك الهمجي للاحتلال، إلا أن الطرح كان من منظور إنساني أكثر من دون تناول الموضوع من منطلق جذري بعدم شرعية وجود الكيان الصهيوني من حيث المبدأ قبل الدخول في أي تفاصيل أخرى، كما حملت بعض مشاهد الفيلم كثير من الأفكار الملغومة التي تحتمل أكثر من احتمال ويمكن تفسيرها بأكثر من اتجاه وهو أمر لا يمكن أن يكون مقبولاً عندما يمس فكرة المقاومة.

ورغم بعض الألفاظ والشتائم البذيئة التي مرت خلال الفيلم ومشهد العري أثناء التعذيب، إلا أنّ الأداء العفوي للممثلين مَنَح الفيلم جرعة عالية من الواقعية خصوصاً وأنّ مشاهد الفيلم تمّ تصويرها في أحياء المدن الفلسطينية وزقاق حاراتها خصوصاً الناصرة ونابلس.

الفيلم أشهِر عام 2013 وهو من كتابة وإخراج وإنتاج (هاني أبو أسعد) و بطولة مجموعة ممثلين فلسطينيين أبرزهم (آدم بكري)، (ليم لوباني)، (وليد زعيتر) و(إياد حوراني)، وبلغت تكلفة إنتاجه مليون ونصف المليون دولار.

قصيدة العدد: ما زلت أشبهني

طارق شخاترة

منذُ احترفْتُ الهوى لمْ تنقطعْ صِلَتِي
كبرْتُ لكنَّني ما زلْتُ أشبهُني
أنا بقوميَّتي السمراءِ منشغلٌ
فلا الربيعُ ولا كلُّ الفصولِ هنا
تعبْتُ لكنَّني ما زلْتُ مرتحِلاً
هوى العروبةِ يدعونِي لأبلغَهُ
حاولْتُ أنْ ألحقَ الدنيا وأسبقَها
بيني وبيني أرى ضعفِي وأعذرُني
بيتِي يساوي بلادَ العُرْبِ أجمعَها
ولنْ أرى غرفتِي بيتاً بأكملِهِ
أنا العروبيُّ والأيامُ تعرفُنِي
الطائفيةُ ما كانَتْ بمعركَتِي
ما قلْتُ يا ربُّ أخواني عليكَ بهم
ولا استعنْتُ ولا استقويْتُ في زمنٍ
ولا سعيْتُ لوالٍ كي أقولَ لهُ
قبضْتُ مثلَ جميعِ القابضينَ على
عروبَتِي في زمانِ الحقدِ ألمحُها
أموتُ فيها ولو موتِي على يدِها
  بمنْ هويْتُ ولا عاكسْتُ بوصلَتي
ولا أزالُ على شكلِي وشاكلَتي
وبالعيونِ التي تهوى مشاغلَتي
تقوى عليَّ وتُنسيني مغازلَتي
ولنْ أريحَ من الترحالِ راحلَتي
لا شكَّ أنَّ وصولِي في مواصلَتي
وقدْ عثرْتُ ولمْ ألحقْ بقافلَتي
في عالمِ اليأسِ تكفينِي محاولَتي بدونِ تجزئةٍ هذي معادلَتي
ولنْ أكونَ عقيماً في مجادلَتي
فكمْ قلبْتُ على الأعداءِ طاولَتي
والمذهبيةُ ما كانَتْ منازلَتي
ولا تشدّقْتُ في فرْضِي ونافلَتي
بالمعتدينَ على قومِي وعائلَتي
)يا أعدلَ الناسِ إلَّا في معاملَتي(
جمرِ الصمودِ وما رخّصْتُ غاليَتي
عنقودَ حبٍّ على أغصانِ داليَتي
أموتُ بالموتِ في أحضانِ قاتلَتي

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *