Qawmi

Just another WordPress site

17842032_1611695215527346_670529229_n

د. إبراهيم علوش، تشرين 5/4/2017

تزايد زخم الاندفاعة الميدانية للولايات المتحدة الأمريكية في شمال شرق سورية، عبر البوابة الكردية المشرعة، باتجاه الرقة، أوضح أخيراً بعض معالم الاستراتيجية الأمريكية في سورية.  وقد بات من الواضح، منذ تربع ترامب على سدة المكتب البيضاوي في البيت الأبيض، أن الخط الأمريكي المفتوح بقوة مع الأكراد منذ أيام أوباما، كأحد الخيارات التي لا بد من موازنتها مع خيارات وضوابط إقليمية أخرى، قد برز فجأة كمَدخَل محوري لدور أمريكي جديد في منطقة تزخر بالمياه والأراضي الزراعية والنفط والغاز…

في أواسط الشهر الفائت أعلنت مصادر في البنتاغون عن “احتمال” مضاعفة أعداد القوات الأمريكية المتواجدة في سورية (تحضيراً لمعركة استعادة الرقة من داعش).  وسمعنا بعدها بأسبوع عن إنزال جوي لمئة جندي أمريكي في ريف طبقة الغربي وقطعهم طريق حلب-الرقة في سياق حملة دعم لـ”قوات سورية الديموقراطية” للسيطرة على منطقة طبقة الاستراتيجية على نهر الفرات، حيث سد طبقة الذي يحجز خلفه بحيرة الأسد، والتي تبعد عن الرقة خمسين كيلومتراً. 

لم نلبث، بعدها بثلاثة أيام أو أربعة، أن سمعنا عن سيطرة تلك القوات على مطار طبقة العسكري في ريف الرقة تحت غطاء جوي أمريكي.   وكنا قرأنا في نهاية كانون الثاني الفائت عن تسليم واشنطن “قوات سورية الديموقراطية” مركبات مدرعة، وسمعنا، قبل شهر تقريباً، عن قيام تلك القوات بقطع الطريق على “داعش” بين الرقة ودير الزور، مما يمثل تطويقاً للرقة من جنوبها، بعيداً جداً عن أكثر خرائط الانفصاليين الأكراد جنوحاً ومغالاة.  وكان الجنرال ستيفن تاوسند، القائد الأمريكي لقوات التحالف في سورية والعراق قد هيأ لدخول الأكراد الرقة في 1 آذار بالإعلان عن “دور ما” لهم في تحريرها من ربقة داعش.

الغلاف السكري للتمدد الكردي في شرق سورية يتمثل بالتركيز الإعلامي المفتعل على تلك القلة من المجندين غير الأكراد في “قوات سورية الديموقراطية” الذين نفهم من بين سطور تقرير في  7 كانون الثاني الفائت لصحيفة “واشنطن بوست”، المقربة من دوائر صنع القرار في العاصمة الأمريكية، أنهم يخضعون لدورة تثقيف مناهضة للعروبة، تحت شعارات “أممية” و”ديموقراطية” مزعومة، قبل تسليمهم للمدربين الأمريكيين.  أما برنامجهم السياسي السوري، بحسب تقرير “واشنطن بوست”، فيتمثل بـ”سورية فدرالية تعددية”، “من دون دولة”، أو “هيمنة عربية”، وقد جاء ذلك التقرير تحت عنوان “الدعم العسكري الأمريكي يغذي طموحات كبيرة عند ميليشيا سورية الكردية اليسارية”.  ويبقى السؤال: لو كانت تلك الميليشيا يسارية حقاً، فكيف تحظى بدعم أكبر قوة إمبريالية في العالم؟!

الواقع البراغماتي لمصالح الدول يفيد، بالمقابل، أن الخطاب الأيديولوجي ليس الأساس في تقييم الموقف من أي قوة أو شخصية سياسية، بل اصطفافها العملي في التناقضات الملموسة على أرض الواقع، وفكرة “الشعب يحكم نفسه بنفسه من خلال مجالس محلية”، و”لا حاجة للدولة”، و”لا نؤمن بالقوميات” (خصوصاً إذا كانت عربية)، كبعض الأفكار التي يحاول حزب العمال الكردستاني تمريرها للعرب السوريين، في ظل الاندفاعة الأمريكية الجديدة شرق سورية، وفي ظل أعتى حملة إقليمية ودولية ضد سورية أرضاً وشعباً ومؤسسات، يعني فعلياً التحول إلى رأس حربة في مشروع التفكيك، بغض النظر عن أي تخريجة يسارية أو غير يسارية، وهو ما يهم الأمريكان في المحصلة.

لا شك في أن الاعترافات الأمريكية الرسمية المتتالية بأن مصير السيد الرئيس يقرره الشعب السوري على المدى البعيد، واعترافات لندن وباريس من بعد واشنطن بالاتجاه نفسه، تمثل إقراراً بالوقائع الميدانية على الأرض التي سطرها صمود الشعب والجيش والسيد الرئيس نفسه، بالتلازم مع التضحيات السخية لأصدقاء سورية وحلفائها، فهذا يمثل نزولاً عن الشجرة العالية وإقراراً بأمر واقع، وبحق مشروع، كما يمثل صفعة  كبرى للحملة العدوانية على سورية ولأذنابها العرب والسوريين خصوصاً.

لكن يخطئ من يتوهم أن الولايات المتحدة وحلفاءها الذين شهدوا مشاريعهم وأدواتهم، من حلب إلى درعا،  تتحطم الواحدة تلو الأخرى، على وشك أن يتركوا سورية لشأنها.  فالخطاب الأمريكي الرسمي الآن، لمن يتابعه، يتركز على “الوحدة الميدانية مقابل داعش”، وعلى تجميد التناقض مع الدولة العربية السورية في الظاهر، لكي يغطي على حركة تسلل شرق سورية تستهدف اقتطاع مساحة نفوذ أمريكية في منطقة غنية بالموارد يحسب أنها لا تختزن حساً وطنياً وقومياً قد ينفجر تحت أقدامه، قد تصبح “إسرائيل” أخرى إن شئتم. 

وهذا التسلل الأمريكي السياسي والميداني، تحت عنوان “محاربة داعش”، يستهدف، فضلاً عن التهيئة لمشروع التفكيك: 1) تأسيس وزن مقابل للوجود الروسي في سورية، 2) قطع الطريق على التواصل بين الجيشين السوري والعراقي، 3) تحريك أتون تناقض دموي عربي-كردي في سورية والعراق، 4) خلق قاعدة متممة للكيان الصهيوني في بلاد الشام والعراق.

تركيا أردوغان تتألم، بعد أن خابت كل رهاناتها، لكن هذا بالضبط ما قد يساعد بتخفيف عدوانيتها إزاء سورية، على الأقل مرحلياً.  أما الرهان الذي أثبت أنه لما يخب، رغم كل الآلام والجراح، فيظل على سورية، وعلى شعبها وجيشها ورئيسها.

http://tishreen.news.sy/?p=83110

للمشاركة على فيسبوك:

https://www.facebook.com/Qawmi

 

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *