Qawmi

Just another WordPress site

22657351_1900942116589681_1112986588_n

د. إبراهيم علوش

 تشرين 18/10/2017

 

الورقة الأمريكية الجديدة في سورية والعراق، بعد اندحار المشروع التكفيري، باتت تتمثل في محاولة مد “عقبات” أمام التواصل الجغرافي-السياسي بين إيران ولبنان عبر أدوات كردية أساساً.  ولو نظرنا في خريطة تمدد بعض القوى الكردية المدعومة من الولايات المتحدة، في العراق، خارج أربيل ودهوك والسليمانية، وهي مناطق آشورية وسريانية وعربية مُحتلة احتلالاً استيطانياً إحلالياً أصلاً، وفي سورية، بعيداً عن المناطق التي هاجر إليها الإخوة الأكراد من تركيا على مدى العقود الفائتة، لوجدنا فيما يُسمى بـ”المناطق المتنازع عليها” في العراق في محافظات نينوى وصلاح الدين وديالى وكركوك، ولوجدنا في المنطقة الموهومة المسماة “روج آفا” من قبل بعض الجماعات الانفصالية في الشمال السوري، انطلاقاً من ثلاثة ألسنة حول الحسكة في الشمال الشرقي، وحول عين العرب في الشمال الأوسط، وحول عفرين في الشمال الغربي، والتي تم تجاوزها جنوباً بدعم أمريكي بذريعة محاربة “داعش”، ولوجدنا في خريطة هذا التمدد العامودي من الشمال إلى الجنوب محاولة لكسر التواصل الأفقي بين إيران ولبنان عبر كتلة وازنة في شمال العراق أولاً، وعبر كتلة طامحة ومدعمّة بالقواعد الأمريكية في شمال سورية ثانياً.    

من مذابح عامودا إلى مذابح سيفو في القرن العشرين التي راح ضحيتها مئات الآلاف، إلى عددٍ من المذابح الأخرى التي سبقتها في القرن التاسع عشر، لا سيما في ظل عبد الحميد الثاني، ضمن سياسة عثمانية منهجية لتغيير هوية المنطقة، يشهد التاريخ بأن المناطق المسماة “كردية” في شمال العراق وسورية اليوم هي مناطق آشورية وسريانية وعربية قديمة، وأن الوجود الكردي فيها طارئ، وأن الخريطة الديموغرافية فيها تغيرت بفعل التطهير العرقي المجلل بالمذابح خلال القرن الأخير، وهي خريطة لا تزال تتغير اليوم، فلا يمكن الحديث بمصداقية عن “حق الأمم في تقرير مصيرها” على أراضٍ مُحتلة احتلالاً استيطانياً إحلالياً، كما لا يمكن الحديث بمصداقية عن “حق اليهود بتقرير المصير في فلسطين” مثلاً (ناهيك عن خرافة اعتبار اليهود أمة!)، والفرق بين الطموح القومي المشروع والطموح القومي غير المشروع هو إذا ما كان يُطرح ضمن الحدود الجغرافية التي استقرت فيها أي أمة من الأمم تاريخياً، وما إذا كان الطموح القومي يقع ضمنها أو يتجاوزها، فإذا تجاوزها، تحولت النزعة القومية إلى نزعة توسع عدوانية، وإذا كان ضمنها، فإنه يمثل نزعة قومية مشروعة في تحقيق الوحدة والتحرر والنهضة.

وإذا افترضنا أن الأكراد أمة، على الرغم من تحدثهم لغات كردية مختلفة (لا لهجات مختلفة فحسب)، وانتشارهم على شكل جزر كردية من خراسان شمال شرق إيران إلى هضبة الأناضول بدون تواصل جغرافي، فإن من المؤكد أن تمددهم في شمال العراق وشمال سورية هو تمدد طارئ وحديث من الناحية التاريخية تحقق في ظل الدولة العثمانية أساساً، والآن في ظل الأمريكان، وبالتالي فإن تناوله من الأجدر أن يتم من زاوية وظيفته الاستراتيجية والجغرافية-السياسية، لا من الناحية العامة فحسب، كجزء من مشروع تفكيك المنطقة وبلدانها وصناعة “الشرق الأوسط الجديد” على أسس عرقية وطائفية وجهوية، بل من زاوية ما يعنيه مثل ذلك التمدد هنا والآن في الصراع الإقليمي في العراق وسورية وعليهما.   

ولا نملك في هذا السياق إلا أن نلاحظ التبني الأمريكي لمشروع التمدد الكردي في سورية، والتبني الصهيوني العلني لمشروع التمدد الكردي في العراق، مما يعرّفنا على هوية الجهات المستفيدة منه، وأن نلاحظ أنه تمدد يتم على حساب العرب تحديداً، أرضاً وشعباً وثروات، وأن نلاحظ أنه يأخذ شكل “بقعة الزيت” المنسابة جنوباً في العراق وسورية، في مناطق جديدة دوماً، وأن نستنتج أن أثر مثل ذلك التمدد هو خلق “مناطق نفوذ” أمريكية وصهيونية بالوكالة على أساس خطوط جغرافية وهمية من نوع “شرق الفرات” و”غرب الفرات”، وعلى أساس ترسيم مناطق مقتطعة لإجراء “استفتاء على الاستقلال” و”انتخابات إدارة ذاتية”، كانت مقدمتها الضرورية تقويض الدولة المركزية في العراق ومحاولة تقويضها في سورية، وأن نستنتج، أخيراً وليس آخراً، أنه يتم في سياق حملة أمريكية وصهيونية ضد محور المقاومة.

تصعيد ترامب ضد إيران، والتلويح بالتراجع عن الاتفاق النووي معها، والحديث عن عقوبات ضد “الحرس الثوري” وحزب الله، والجوائز الأمريكية على رؤوس قادة في الحزب، واستهداف قوات للحزب في ريف حمص الشرقي، وترك منافذ لتكفيريي “داعش” لمهاجمة الجيش العربي السوري وحلفائه في البادية انطلاقاً من نقاط قريبة من معبر التنف المسطو عليه أمريكياً، واستهداف قادة عسكريين روس، هو السياق العام للدعم الأمريكي والصهيوني لمشروع التمدد الكردي في سورية والعراق.  ونلاحظ في هذا السياق أيضاً أن تكفيريي “داعش” يستسلمون للقوات الكردية، وأنهم يذهبون إلى وجهات مجهولة بعد استسلامهم، كما حدث لمئات عناصر “داعش”، ويقال أنهم كانوا ألفاً أو أكثر، الذين فروا من قضاء تلعفر إلى مناطق سيطرة “البيشمرغة” الكردية.  فماذا حدث لهؤلاء، وإلى أين تم توجيههم؟  والأهم، ما معنى توقيت فتح معركة “الاستفتاء” في شمال العراق و”انتخابات الإدارة الذاتية” في شمال سورية بالضبط فيما المعركة ضد “داعش” توشك أن تؤتي أكلها سوى محاولة “إنهاك” العراق وسورية بورقة استنزاف جديدة هي في حقيقتها استمرارٌ للورقة التكفيرية؟!

ولأن “داعش” في العراق أفل نجمه قبل سورية، وباتت مناطق نفوذه فيه تتآكل بشكلٍ متسارع، كان لا بد من فتح ملف التمدد الكردي في العراق قبل سورية، سواء من جهة الطرف الأمريكي-الصهيوني أم من جهة الدولة العراقية التي وجدت نفسها مضطرة للتعامل مع عقابيله قبل سورية، ونرجو أن لا يقتصر دخول الجيش العراقي على كركوك المحافظة والمدينة إذا كانت الغاية هي اجتثاث جذور الفتنة، وهنالك فروق بين وضع الأكراد في العراق وسورية طبعاً، سواء من ناحية العدد المطلق أو النسبة المئوية من مجموع السكان، لكن ذلك لا يغير من وجود مشروع تمدد في الحالتين، هو في الحالة السورية مدعّم بالقواعد العسكرية الأمريكية أكثر من العراق.  وهو ما كان يفترض الإلتفات إليه في مرحلة ما بعد “داعش”، سوى أن المايسترو اختار فتحه قبل انقضاء تلك المرحلة.

http://tishreen.news.sy/?p=116735

للمشاركة على فيسبوك:

https://www.facebook.com/Qawmi

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *